11 سبتمبر 2025

تسجيل

التبعية للغرب والخلط بين المفاهيم!

06 مايو 2011

كان من أخطر نتائج الاستعمار الغربي للوطن العربي أنه فرض علينا أن نفكر بالمفاهيم الغربية بعد أن تم نقلها إلى اللغة العربية عن طريق الترجمة الخاطئة إن افترضنا جدلاً براءة من قاموا بهذه الترجمة. من أخطر هذه المفاهيم تلك التي تتعلق ببناء الدولة والنظام السياسي وطبيعة الحكم، وارتبط ذلك أيضاً بتجاهل المفاهيم الأصيلة في حضارتنا وتاريخنا. لقد شكلت هذه المفاهيم أخطر تجليات الاستعمار الثقافي... فكيف يمكن أن نفكر في الحكم وإقامة الدولة بمنطق الغرب والمصطلحات والمفاهيم التي تحقق مصالحه. من أهم هذه المصطلحات " العلمانية " وهي ترجمة غير صحيحة للمصطلحات الإنجليزية أو secularism أو المصطلح الفرنسي Secularity Laike ، وقد أحسن العلماء في بلاد المغرب العربي صنعاً حين استخدموا المصطلح الفرنسي مباشرة دون ترجمة " اللائكية ". والمصطلح ليس له صلة بالعلم، بل إن الترجمة بهذا الشكل تؤدي إلى التضليل، وتتناقض مع حق شعبنا في المعرفة. لكي نفهم هذا المصطلح لابد أن نقرأ جيداً الواقع التاريخي الذي نشأ فيه، والمشكلة التي ظهرت ليحلها، فبدون فهم هذا الواقع وتلك المشكلة سيظل المصطلح غامضاً ومحيراً ومربكاً ومثيراً للجدل والخلاف، ويستخدم لتحقيق أهداف الغرب والقوى السياسية التي ترتبط به، وإقامة نظم حكم تابعة للغرب وخاضعة له. المصطلح ببساطة ظهر لتقوم على أساسه دولة تختلف عن الدولة الثيوقراطية التي عرفتها أوروبا خلال القرون الوسطى، وليعبر عن انتصار الثورة البورجوازية على التحالف بين الملك والكنيسة والإقطاع. لذلك ظهر شعار في الثورة الفرنسية يقول: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس" كان الشعار يشير إلى العداء للتحالف المقدس والذي كان يشكل عقبة أمام التطور والنهضة، ولأن البورجوازيين كانوا قد نجحوا في تكوين ثروات من التجارة مع الشرق، وانتشروا في البلاد الأوروبية ينشرون بعض الأفكار الجديدة، وقد استغلوا اختراع المطبعة في نشر بعض الكتب التي تتحدى احتكار الكنيسة للمعرفة. قام البورجوازيون أيضاً بتشجيع بعض العلماء الذين أنتجوا أفكاراً جديدة تتناقض مع الأفكار التي كانت تحتكرها الكنيسة، ولذلك قامت الدول الأوروبية بمطاردة هؤلاء العلماء، وقتل بعضهم، لذلك فإن المفهوم يشير مباشرة إلى تحطيم التحالف بين الملك والكنيسة والإقطاع، اتخذ ذلك أشكالاً مختلفة، ففي انجلترا تم التوافق على بقاء الملك، وأن يظل الرئيس الأعلى للكنيسة، بشرط أن يملك ولا يحكم، وأن يترك الحكم للبرلمان والحكومة والقضاء. وفي فرنسا تم تحويل الحكم إلى جمهورية، تم تحولت إلى إمبراطورية ثم عادت جمهورية. وكل الدول الأوروبية حاولت أن تقيد الملكية وتتحول إلى جمهوريات، وتركت الكنيسة تمارس دورها الديني بشرط ألا تتدخل في شؤون الحكم. لكن ذلك لا يمنع من استغلال الدين لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، فعندما أرادت فرنسا أن تحتل الجزائر استخدمت الذين المسيحي لتعبئة الشعب الفرنسي، وإثارة عواطف الجنود، وإقناع الدول الأوروبية بتأييد عدوانها على الجزائر. وهكذا فعلت إيطاليا خلال عدوانها على ليبيا، كما فتح الإنجليز المجال أمام المبشرين في إفريقيا، وحدث نوع من التوافق بين انجلترا وفرنسا على تنصير جنوب السودان، والتأييد المستمر لإثيوبيا. وفي الوقت نفسه كانت المشاعر الدينية المسيحية واضحة في بناء الدولة الأمريكية الحديثة، وهذا يعني أن المصطلح الذي تم ترجمته خطا بالعلمانية كان المقصود به هو إنهاء حالة التحالف بين الملك والكنيسة والإقطاع.. لكن ذلك لا ينفي إمكانية استغلال الدين لتحقيق أهداف الدولة. ودراسة تاريخ أوروبا وأمريكا توضح أنها قد نجحت في إقامة نظم حكم حديثة وديمقراطية، لكن الدين ظل يلعب دوراً مهما في توفير عوامل الارتباط والوحدة بين هذه الدول، وفي تحقيق أهداف سياستها الخارجية. على سبيل المثال فإن الاتحاد الأوروبي يوصف بأنه ناد للدول المسيحية، ولذلك ترفض هذه الدول دخول تركيا إلى هذا الاتحاد. يوضح تاريخ المصطلح أيضاً أنه قد استخدم لإبعاد الإسلام تحديداً ومحاربة رموزه وبلغ ذلك حدود العداء للإسلام خاصة في تركيا قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم وفي تونس في عهد ابن علي. لذلك فإن المصطلح في أوروبا وأمريكا لا يستخدم بهدف العداء للدين المسيحي، وفي الوقت الذي تم فرضه على بعض الدول بهدف العداء للإسلام. يوضح ذلك أن استخدام مصطلح العلمانية بهذا الشكل يهدف للتضليل، ولإعطاء الانطباع بارتباطه بالعلم وإقامة دولة حديثة... ويتم تعريفه بالفصل بين الدين والدولة، وهذا أيضاً يشكل تزييفاً ذلك أنه نشأ ليصف الحركة المعادية للتحالف بين الملك والكنيسة والإقطاع، وهو دلالة على واقع أوروبي، وانتزاعه من هذا السياق واستخدامه في واقع مغاير هو عملية تضليل وتزوير وتزييف. كما أنه أخطر تجليات الاستعمار الثقافي، وهو يمكن أن يشكل عقبة أمام التطور الديمقراطي في الوطن العربي.