12 سبتمبر 2025
تسجيلتوجدُ مساحةٌ حولَ السيارةِ لا يمكنُ للمرآةِ أنْ ترصدَها، تُسمى بالنقطةِ العمياء، التي تُعَـدُّ سبباً في كثيرٍ منْ حوادثِ السيرِ. ولو نظرنا حولَنا للاحظنا أنَّ معظمَنا توجدُ في حياتِـهِم نقاطٌ عمياءُ تُسبِّبُ مشكلاتٍ أُسريةً واجتماعيةً تنتجُ عنها اضطراباتٌ نفسيةٌ، وانحرافاتٌ أخلاقيةٌ وسلوكيةٌ. والأمرُ الـمُستغربُ أنَّ أكثرَنا يعتقدونَ أنَّها موجودةٌ في الآخرينَ فقط، وكأنَّها مثلُ الـموتِ الذي يهربون من خوفِهِم منه بافتراضِهِم أنَّـهُ شيءٌ يحدثُ لسواهم، رغم إيمانِهِم بأنَّهُ أمرٌ لا مفرَّ لجميعِ الأحياءِ منه. وهذه الحالةُ منْ الهروبِ النفسيِّ نجدُها في كلِّ مجالاتِ الحياةِ الخاصةِ والعامةِ. عندما نبحثُ في أسبابِ جنوحِ الأحداثِ، فسنجدُ أنَّ معظمَها ناتجٌ عن خللٍ في العلاقاتِ بينَ الزوجينِ، وعلاقاتِهِما بأبنائِهِما. فمثلاً، بعضُ الأزواجِ يُبصرونَ كلَّ الصفاتِ الرائعةَ في نساءِ الأرضِ، وينظرونَ بإعجابٍ شديدٍ إلى أدبِ وذكاءِ أبناءِ الآخرينَ، أما جمالُ ورِقَّـةُ وطيبةُ زوجاتِهِم، وأدبُ وذكاءُ ومواهبُ أبنائِهِم، فإنَّها أمورٌ تقعُ في الـمساحةِ التي لا تُغطيها النقطةُ العمياءُ في نفوسِـهِم وعقولِهِم. وأيضاً، تلعبُ نفسُ النقطةِ عندَ الزوجةِ دوراً كبيراً في تحطيمِ وجودِ الأبِ في نفوسِ الأبناءِ، عندما تندبُ حظَّها الذي جعلَـهُ زوجاً لها، وتُصِـرُّ على أنَّها لم تَـرَ منه أبداً ما يُسعـدُها، ولا تنظر إلى حنانِهِ وسعيه الدائمِ لرعايةِ أسرتِـهِ، وضمانِ ما يُحقق لها حياةً كريمةً طيبةً. وبالطبعِ، فإنَّ ذلك، يؤثر سلباً وبشدةٍ على الاتزانِ النفسيِّ للأطفالِ، ويجعلُهُم يهربونَ من واقعِهِم الـمريرِ إلى العُزلةِ، أو السلوكِ العنيفِ الذي يتحدُّونَ به قِـيَـمَ الـمجتمعِ وضوابطَهُ الأخلاقيةَ. وهذا يؤدي إلى جُنوحِهِم الـمُبكرِ. وفي حياتِنا العامةِ، نجدُ أشخاصاً لا يَفصلونَ بينَ الخاصِّ والعامِّ في تعامُلِهِم معَ الآخرينَ. فمنهم مَنْ يثورُ إذا كانَ يقودُ سيارتَـهُ ثم رأى شخصاً في سيارةٍ مجاورةٍ ينظرُ إليه، فتمنعُهُ نقطتُهُ العمياءُ منْ تقديرِ الأمرِ منطقياً، ويعتبرُهِ جريمةً انْـتُهِـكَتْ بها خصوصيتُهُ. ومنهم مَنْ يتعاملُ معَ الـمُراجعينَ في موقعِ عملِـهِ وكأنَّهُم أناسٌ مُزعجونَ عليهم إطاعتُـهُ دونَ نقاشٍ، ولا ينظرُ إليهم كبشرٍ لهم مصالحُهُم التي ترتبطُ بأدائِـهِ مهامَّ عملِـهِ على أكملِ وجهٍ، وبإجابتِـهِ عن استفساراتِـهِم بصبرٍ. وفي الـمقابلِ، نجدُ أنَّ النقاطَ العمياءَ لبعضِ الـمراجعينَ تَحولُ بينهم وبينَ الالتزامِ بالنظامِ، فيرونَ في الـموظفِ أو العاملِ شخصاً لابدَّ من التعاملِ معه بجلافةٍ وكأنَّـهُ ألةٌ لا مشاعرَ فيها. أما النقطةُ العمياءُ الأشدُّ خطراً، فهي التي تمنعُ أولياءَ الأمورِ من رؤيةِ الخللِ في تنشئتِهِم لأبنائِـهِم، ورعايتِهِم لهم. فنجدُهم يَشنُّونَ الحملاتِ الظالـمةَ على الـمُدرسينَ، ويحَـمِّلونَهُم تراجعَ الـمستوى الدراسيِّ لأبنائِهم. وإذا قلنا لهم إنَّ الخللَ في الأسرةِ، اتَّسَعَتْ مساحةُ النقطةِ لتَشملَنا، فنُصبحُ في نَظَرِهِم أغبياء مُدَّعينَ. والضحايا، في هذا الصراعِ، هم الأبناءُ الذين يتضاءلُ احترامُهُم للمُدرسينَ، فيُهملونَ في دراستِهِم اعتماداً على أنَّ أولياءَ أمورِهِم في صفِّهِم مطلقاً. كلمةٌ أخيرةٌ: إذا لم نَسعَ بجدٍّ للتوعيةِ بثقافةِ النقدِ الذاتيِّ فلن نتمكنَ منَ التَّغَلُّبِ على نقاطِنا العمياءِ، وسنظلُّ قابعينَ في قواقعِ الأنا الـمُتَضَخِّـمةِ في نفوسِنا بعيداً عنْ مفاهيمِ احترامِ الآخرِ، وتقديرِهِ، وتَفَهُّمِ ما يقولُهُ ويفعلُهُ. كاتِـب وَإِعْـلامي قَـطَـرِي [email protected]