12 سبتمبر 2025

تسجيل

وفي النفس حاجات وفيك فطانةٌ

06 أبريل 2016

أراد المتنبي أن يمدح كافور الإخشيدي، وكان يريد منه ما استعصى على لسانه البوح به، فأنشأ قائلا:وفي النفس حاجات وفيك فطانةٌ ******سكوتي بيان عندها وخطابُأي أن مطلبي لا أبوح به لفطانتك، وسكوتي هنا وانكساري المضمر بين يديك لغة فصيحة وبيان واضح لمن يفقه، هذه اللغة لا يحسنها إلا أكارم الناس، وهذا البيان لا يسمعه إلا من علت رتبته، وسمت نفسه، فهو لا يقدر أن يرى ذل إنسان أو انكساره. هو كما قال أبو بكر الخوارزمي: إذا طلبت إلى كريمٍ حاجةً، فلقاؤه يكفيك والتسليم. فإذا رآك مسلما عرف الذي حملته وكأنه به ملزومُ.أقول هذا الكلام لموقف رأيته أمام عيني، منذ عدة أسابيع لم يذهب عن مخيلتي: كنا في بيت أحد الصالحين — فيما أحسب والله حسيبه — رجل معروف بالكرم على قلة يده. وبينما نحن في مجلسه إذ دخل رجل يبدو أنه غريب، لم ينتبه إليه أحد من الحاضرين، وإذا بصاحب المكان يقرأ في صمته ما لم نقرأ، ويسمع من بيانه الصامت ما قصرت آذاننا أن تسمع! قام صاحب المكان مقبلا عليه، مرحبا به ترحيب الأخ لأخيه (يا مرحبا، يا مرحبا، الساعة المباركة) ثم أجلسه بجواره. أراد الغريب أن يتكلم فضغط صاحب المكان علي يده في إشارة: أن انتظر. ثم قال له: أريدك في أمر على انفراد في مكتبي. دخلا معا وخرجا والبشر يعلو وجهيهما، وكأن صفقة تجارية ما قد تمت وربح الاثنان من خلالها ما أرادا.. وزيادة.ودع صاحبنا أخاه بقوله: (لا تقطعنا يا اخوي) وبعد أيام خرجت من صلاة العشاء وإذا أنا بهذا الغريب عرفته ولم يعرفني، يريد أن يسألني عن حكم شرعي.خلوت به فقال: ما أفضل عمل صالح يمكن أن يقدمه أخ لأخيه شرط ألا يعلم أخوه بذلك إلا يوم القيامة! فسألته القصة فأخبرني أن ولده أصيب منذ أشهر بمرض عضال، وأنه عمليته كانت متوقفة على مبلغ لم يستطع تجميعه، وأن حياءه كان يمنعه من الذهاب إلى الجمعيات الخيرية، وأنه ذهب منذ أيام إلى أحد المحسنين في مجلسه فأكرمه وأحسن وفادته، وحين خلا به في مكتبه ذكر له حالة ولده فأقسم عليه أن التكلفة كاملة لديه. فأخذت منه المبلغ وقد أضمرت في نفسي أن أفعل له عملا صالحا يلقاه في صحيفة حسناته دون أن يعلم! تلك إذا كانت التجارة الرابحة، تلك إذا كانت أسباب السعادة والبشارة! اللهم إني أسألك باسمك الأعظم كما فرج أخونا عن والد الطفل أن تفرج عنه ما هو فيه، وأن تعطيه فوق ما يطلب لنفسه.