13 سبتمبر 2025
تسجيلكان عبد القيوم، صيادا أخرق لكل ما هو أخرق. وكان لصا قديما موثقا بالصور الأمامية والجانبية والبصمات والمراقبة اليومية التي تفرض على أصحاب السوابق، أن يسجلوا حضورهم مرتين في اليوم، لدى أقرب مركز للشرطة إليهم، ومن أوائل الذين خدشت هيبتهم وجربت الكلاب البوليسية الألمانية المسماة "رن تن تن" في التعرف إليهم وسط طوابير المشبوهين، عند دخولها الوطن منتصف السبعينيات، لأول مرة. كان الذي يتعرف إليه الكلب البوليسي ويعضه كاشفا عن جريمته، لا يسجن فقط، لكن تحمل المدينة كلها ملامحه، وتزدريه حتى بعد خروجه من السجن، ذلك أن عروض الكلاب لم تكن مغلقة بغرض محاصرة الجريمة فقط، بل جزء من ترفيه المواطنين، تقام في الساحات العامة، والميادين الرياضية، وأحيانا على خشبة المسرح الوطني، ويحضرها جمهور شبيه بجمهور كرة القدم، وذلك الجمهور الذي يتوفر عادة، في الحفلات الغنائية، أو عند زيارة حيدر باخريف المعروف بشمشون إفريقيا للمدينة، وعرضه لقواه الخارقة. تلك الأيام وبناء على تداعيات تعرف الكلاب وعضها واستفزازها للمشبوهين، قصرت قامة الإجرام كثيرا حتى بلغت الربع، أمن المال العام على نفسه فتسكع في الخزائن وبين أيدي الموظفين العموميين، دون أن يعتدي على حرمته أحد، حافظ الخاص على خصوصيته فبقيت في السر لا يقترب منها لص، أمنت ربات البيوت على غسيلهن، الذي كان يسرق من الحبال، فنشرنه بلا خوف، أمنت العربات على إطاراتها والعيون على سوادها وكحلها، وأحلام الفتيات الصغيرات على براءتها، وفكر كثير من الناس في سرقة مقتنياتهم الشخصية بأنفسهم وقضاء عدة أيام بين أسئلة المحققين، أو جدران السجون، حتى لا تنقرض مهنة السرقة، التي تعد واحدة من أكثر المهن أصالة لدى الشعوب.اقترب من اللاجئة أببا ومن حيرتها في ذلك اليوم الذي هبطت فيه المدينة، والتي حول رونقها الناس بجميع فئاتهم وأمزجتهم، وتنوع رغباتهم، اقترب من وجهها حتى ألمت بأنفاسه المتلاحقة كاملة وعدتها.. كلمها بلغة واضحة لكنها متعجلة، دون أن يبدو مجرما قديما موثقا بالصور والملاحقة، وعضته الكلاب الألمانية، أثناء تجاربها الأولى في البلاد، اقتادها بلطف طارئ، خال من الغواية، إلى أن ظل بعيدا عن أعين رواد المكان، في الواقع كان مطعما صغيرا، خارج موقف السفر، اختص بتوفير عصير الفواكه، والوجبات الخفيفة، جلب لها شطيرة محشوة بجبن (سمسوم) المصنوع محليا، وكوبا من عصير المانجو المخلوط بقشره حفاظا على الفيتامينات كما يعتقد الكثيرون، واستعان بلاجئين قدامى من وطنها، يعرفهم وصادفهم في المكان، ليفهم مأساتها كاملة، وبشتى الرموز، ويعرض خدماته.النظرة اصطادته بلا شك، ولن يعترف أبدا بأنه كان ضحية لنظرة صائدة. ذلك اليوم تغير برنامج يومي معروف الفقرات، دأب عبد القيوم على طاعته سنوات طويلة حين يكون خارج السجن.