12 سبتمبر 2025

تسجيل

ورحمتي وسعت كل شيء

06 أبريل 2011

ابن فارس في مقاييس اللغة يرى أن الرحمة تدور على مادة: (ر ح م) ويقول رحمه الله: الرّاء والحاء والميم أصل واحد، يدل على: الرقة والعطف والرأفة. يقال من ذلك: رحمه يرحمه إذا رقَّ له وتعطَّف عليه، والرُّحْم والمرحمة والرَّحمة بمعنىً. وهو معنى لطيف يظهر قيمة الرحمة والرحم على حد سواء، الرحمة في اصطلاح أهل الشأن يراد بها: إرادة إيصال الخير. الجرجاني ذكر ذلك في التعريفات. ولابن القيم — رحمه الله تعالى — في إغاثة اللهفان كلام جيد يقول رحمه الله: "إن الرحمةَ صفةٌ تقتضي إيصالَ المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتْها نفسُه وشقَّت عليها. فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأَرحم الناس من شق عليك في إيصال مصالحك ودفع المضار عنك، فمن رحمة الأب بولده: أن يُكرِههُ على التأدُّب بالعلم والعمل، ويشق عليه في ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه ويرفِّهه ويريحه". والإمام الكَفَوِيُّ: يرى الرحمة حالة وجدانية تعرض غالباً لمن به رقَّة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النفساني الذي هو مبدأ الإحسان" وإذا كانت هذه تعريفات أهل الشأن في الرحمة بين البشر وبعضهم فكيف برحمة الله بعبده، يقول جل ذكره وعز (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). إنه كمال الإنعام والتكريم الذي تفضل الله به على الأمة المسلمة بعد نعمة الإيمان إنه اليسر في الحساب، والرحمة في الجزاء، حتى ليجعل الله — سبحانه — الرحمة كتاباً على نفسه للذين آمنوا بآياته؛ ويأمر رسوله — صلى الله عليه وسلم — أن يبلغهم ما كتبه ربهم على نفسه. وحتى لتبلغ الرحمة أن يشمل العفو والمغفرة الذنب كله، متى تابوا من بعده وأصلحوا، إذ يفسر بعضهم الجهالة بأنها ملازمة لارتكاب الذنب؛ فما يذنب الإنسان إلا من جهالة؛ وعلى ذلك يكون النص شاملاً لكل سوء يعمله صاحبه؛ متى تاب من بعده وأصلح. ويؤيد هذا الفهم النصوص الأخرى التي تجعل التوبة من الذنب — أياً كان — والإصلاح بعده، مستوجبة للمغفرة بما كتب الله على نفسه من الرحمة، فما من ذنب يتوب عنه المسلم ويصلح من بعده إلا وهو مستوجب لمغفرة الله، ولعل آية الفرقان تنبئك عن ذلك إذ يقول الله فيها: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا). وسبب نزول الآية كما يروي أهل التفسير من طريق عكرمة رضي الله عنه أنها: نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام. وقال عطاء: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهم أجمعين.. جعلنا الله من أهل رحمته ومغفرته ومحبته، انه ولي ذلك ومولاه.