12 سبتمبر 2025

تسجيل

لن تستطيع معي صبراً !

06 مارس 2024

كثيرٌ ما يتم تناول الصبر كقالب نمطي، يتضمن الجَلد وتحمّل الألم، وتجرّع الغصات، ويوصف بالمُرّ والعلقم. وما ذاك إلا لأن الصبر يتطلّب تهذيب النفس، وترويض الوجدان، وتهدئة العقل، والتعامل مع السيل الجارف من المقاومة الشعورية والفكرية، التي قد تجرّ المرء جراً للانحدار إلى مهاوي الانهيار والسخط. وجميلٌ أن نُدرك أن من أعظم المعينات على الصبر الحقيقي هو أن يحتمل المرء شعور الغموض المرافق معه، والتحوّلات التي تُشكل عليه وهي تتبدّى له في طريقه، وهي تُثير معها تساؤلاته: إلى متى؟ وكم أصبر ؟ ولم ؟ وما هي نهاية هذا الصبر ؟ حتى لو كان صبره ذاك صبرا على التغيير لا على المصاب، لأن للصبر أكثر من وجه، فليس الصبر دائماً على ما جرت به مقادير الزمن من الخطوب والبلايا، وليس الصبر باستمرار هو انتظار للفرج. بل الصبر أيضاً عما ترغب وما تحب، على تهذيب النفس وتعليمها للارتقاء بها، صبرٌ يعينك عن الخروج من دائرة راحتك لتتطور، وتتسع، صبرٌ جميل لتنال ما تحب، وتتقن ما تريد أن تتعلمه، كما قيل: (الصبر صبران، صبر عما تحب، وصبر على ما تكره) فمن الوعي أن يتحمّل المرء ذاك الغموض الذي ينبع من أن النهايات التي يطمح للوصول إليها ليست مضمونة النتائج، وليست واضحة ممُهدة في كل مرة. لذا، فاحتمال المرء وجلده على الصبر نفسه هو (صبرٌ) في حدّ ذاته، فمن الحكمة أن يؤمن المرء ويعلم يقيناً أن الأمور ليست بظواهرها، فما قد تعدّه خيراً محضاً قد يكون هو منبع الشرّ لك!، وما تعتبره شراً صرفاً قد يكون هو باب الخير المُشرّع لك أبوابه متنكراً!. لذلك.. فإنك ( لن تستطيع صبراً على ما لم تحط به خبراً) إلا إن سلّمت الأمر لصاحب الأمر، ووعيت أن لله تدابيرٌ يُدبرها بعيداً عما ألفته الأفهام، واعتادت عليه العقول. * لحظة إدراك: للصبر أخلاط خاصة، لا يستطيع عليها إلا من تعلق قلبه بالله، واستكانت نفسه للتسليم لتدابيره، ولم يعجز عن بذل السعي في المُتاح له من الأسباب والمُهيأ له من السُبل، ولم يتعجّل النتائج، واستسلم للحكمة الربانيّة دون أن يمنطقها ويبحث خلف أسبابها ومسبباتها، فهو جَلد وتربية متنامية للنفس، وسعي نحو التهذيب والارتقاء، لذلك أمسى (الاصطبار) سعياً حثيثاً لفك شدة القبضة للتحكم فيما لا سلطان للمرء عليه، وهو أمره كله بالمناسبة!.