11 سبتمبر 2025

تسجيل

الضرورات لسن قانون شركات جديد

06 مارس 2023

1- قانون الشركات التجارية رقم 11 لسنة 2015 وتعديلاته في حاجة ماسة إلى تحديث عاجل وليس بآجل. إذ إن مناكب القانون لا تُحتمل في مقاصده ولا في صياغته. وكأن القانون كتب أصلا بلغة أجنبية وتُرجم إلى اللغة العربية دون إدراك أو تصور لمفهوم الالتزام ومبدأ الإفصاح وآثاره ومعانيه. حيث إن قانون الشركات – بشكل عام - يعد محوريا في اقتصاد دولة قطر. إذ يعد من التشريعات الهامة في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، فضلا عن كونه ركيزة أساسية في ترسيخ مبادئ الحوكمة للشركات المدرجة في بورصة قطر. إلا إنه وللأسف، حسبما أفصح عنه التقرير السنوي الصادر من البنك الدولي بعنوان «Doing Business Report” الذي يقيس مدى كفاءة أنظمة قانون الشركات في كل دولة مما يعطي انطباعا – إما إيجابيا أو سلبيا – عن مدى كفاءة قانون الشركات للمستثمرين الأجانب. وبالتالي قد يتخذ المستثمر الأجنبي قرارا بالاستثمار من عدمه عن الصور الأولية عن تلك القوانين في هذه الدولة. هل تكفل له الحماية القانونية؟ هل حق التقاضي للشريك أو الشركة متاح؟ هل أقلية المساهمين معتبرة؟ ما مدى كفاءة نظام الإفصاح والشفافية من قبل الشركة أو وزارة التجارة والصناعة أو هيئة قطر للأسواق المالية في تضارب المصالح؟ الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها حسبما أفصح عنه التقرير الذي – تم القياس عليه من قبل مكاتب المحاماة الأجنبية العاملة في دولة قطر – أن قانون الشركات هو الأسوأ بلا منازع من بين الاقتصادات الناشئة بل بين دول مجلس التعاون في حماية حقوق الأقلية وترسيخ مبدأ الشفافية والإفصاح. والنتيجة المترتبة أن هكذا قانون لن يُعتمد عليه في مرحلة اقتصاد ما بعد النفط والغاز، وهكذا قانون لن يكون جاذبا للاستثمارات الأجنبية، بل ولا يعكس رؤية قطر 2030. إذ إن من أهداف الرؤية هي التنمية الاقتصادية « الحاجة . . . إلى المزيد من الخطوات لتعزيز التنافسية واجتذب الاستثمار في ظل اقتصاد دولي ديناميكي لا تقيده الحدود الجغرافية». ولما كان لقانون الشركات التجارية دور محوري في توفير مناخ استثماري جاذب لرأس المال الأجنبي، فهو لا ينظم مسألة تأسيس الشركات فقط، بل يمتد إلى أبعد من ذلك في حفظ حقوق الشركاء والمساهمين، وترسيخ مبادئ الإفصاح والشفافية وذلك بوضع حد أدنى من الحقوق للمساهمين ضمانة لحقوقهم المالية من استغلال مساهمتهم في رأس المال في غير الغرض الذي استمرت لأجله. 2- فقانون الشركات الحالي لا يأتي بمذكرة تفسيرية لشرح مواده أو أهمها على الأقل، ولم يأت بالمذكرة البيضاء أو ما يسمى»White papers» حتى يتم الرجوع إلى إرادة المشرع عند غموض النص أو إلى ما رمى إليه. بل إن قانون الشركات لم يُنشر للعامة على سبيل التخصص بهدف التعليق على نصوصه من قبل المختصين، للتعليق على بنوده وتدارك ما يمكن تداركه قبل سريان نفاذه. ولم يكفل قانون الشركات التجارية المعايير العالمية المتمثلة في مبدأ جذب الاستثمارات الخارجية من معايير للإفصاح، حماية الأقلية، وحق التقاضي وحق المساهم. وتكمن المشكلة الرئيسية أننا لا نقيس تطور قانون الشركات على المدى العالمي، بل يتم القياس ما تم على مستوى المحيط المحلي في دول مجلس التعاون، غير مدركين بأنهم منافسون لنا في بناء مراكز مالية للشركات العالمية يكون مقرها الإقليمي في الشرق الأوسط. والشواهد عديدة على مدى عدم كفاءة قانون الشركات. 3- فدعوى الشركة في المادة 115، فهي حسب رأينا إنها صيغت بهذه الطريقة لكيلا تنفذ أو تُستعمل من قبل أقلية المساهمين. وبالتالي، لا نجد صدى يذكر في أن هنالك دعوى شركة قد رفعت ضد مجلس الإدارة بسبب استغلال السلطة أو الدخول في صفقات ذي الطرف. إذ إن مناط دعوى الشركة هو تمثيل الشركة – نيابة عن المساهمين برفع الدعوى من قبل أحد المساهمين – في اقتضاء حقها عمن افتأت على أموال المساهمين وأصول الشركة. ولا ريب أن دعوى الشركة إنما صُممت فقط للمساهم المسيطر دون اعتبار للمساهمين الآخرين، مما يسلب المستثمر الأجنبي، التفكير فقط، في استعمال الحق التقاضي، ويردعه من أن يضخ أموالا في الاقتصاد الوطني ليكون جزءا من الشركة. وجدير بالذكر بأن النمط السائد في ملكية الأسهم في بورصة قطر هي الملكية المركزة أي وجود مساهم مسيطر يملك ما يفوق 50+1 من الأسهم. وبالتالي، كيف للجمعية العمومية بأن تقرر رفع دعوى الشركة ضد مجلس الإدارة الممثل من قبل المساهم المسيطر؟؟؟؟؟ 4- إن نموذج الإفصاح قد تحسن عن ذي قبل، إلا إنه ما يزال متحفظا بشكل كبير. ولكي نتحرى الدقة، فحق الدائن في الإفصاح يكاد يكون معدوما ولا يذكر. فقانون الشركات لا يتيح للدائن حق الاطلاع على تقرير التصفية في الشركات المختلطة، أو الاطلاع على عقد تأسيس الشركة، أو السجل التجاري بأثر رجعي لكي يثبت مسؤولية المدير المسؤول عن الخطأ الذي صدر منه. بل إن قانون الشركات لا يتيح للدائن الطعن ببطلان إجراءات التصفية التي تمت بسوء نية بغية التملص من ديونها، كما إن قانون الشركات لا يشترط أن يكون المصفي مراقب حسابات معتمدا. أما حق المساهم في الحصول على المعلومة الجوهرية، فقانون الشركات لا يفرض مدة زمنية على عضو مجلس الإدارة للإفصاح عن صفقات تضارب المصالح، إذ إن هذا الحق يكون ملزما فقط عند اجتماع الجمعية العامة مرة كل عام. والإفصاح عن الصفقات التي تكون بها تضارب مصالح محصور فقط للمساهمين الذين يملكون 5% من رأس مال الشركة. وبمفهوم المخالفة، من يملك أقل من تلك النسبة فليس له الحق في الوصول إلى المعلومة الجوهرية مما يترتب عليه عدم إمكانيته في رفع دعوى. كما إن القواعد الإجرائية التي تكفل للدائن أو المساهم الوصول للمعلومات الغير المنشورة محصورة فقط أمام محكمة الاستثمار والتجارة، أي فترة تقاض، ورسوم محكمة وأتعاب محامي م 329). أما القول ان نظام حوكمة الشركات قد عزز من الإفصاح والشفافية للشركات، فهو قول لم يتحر الدقة. إذ إن المساهم – في الشركات المساهمة العامة – لا يملك حق بطلان تصرفات الشركة في حال مخالفة بنود الحوكمة. ومن يملك سلطة توقيع الجزاء هي هيئة قطر للأسواق المالية وليست للمساهم. 5- علاوة على ما سبق، فقانون الشركات والأنظمة المتعلقة بالإفصاح والشفافية قد حجبت إلى حد ما على المساهم – في الشركات المساهمة العامة – حق التقاضي في التلاعب في أسعار الأسهم والتداول من الداخل. إذ إن هيئة قطر للأسواق المالية اعتنقت مبدأ الإنفاذ العام (Public Enforcement) في مواجهة المخالفين لقواعد سوق المال. وبناء على هذا المبدأ، هيئة قطر تطبق الجزاءات المالية على المخالفات السالف ذكرها. وعلى من يدعي الضرر اللجوء إلى القضاء، لكن ماذا عن حق المساهم أو المستثمر الذي اشترى السهم بعد ارتفاع سعره بناء على تلاعب أو تداول داخلي ؟؟؟؟ جدير بالذكر هيئة قطر للأسواق المالية لا تفصح عن قراراتها المسببة ضد المخالفين، وما ينشر عنها سوى المنطوق فقط. هو ما يعسر على المساهم رفع دعوى التعويض ضد المخالفين وإثبات ركن الخطأ بحقهم. بل إن نشر المنطوق فقط دون التسبيب هو بحد ذاته مخالفة لمبدأ الشفافية التي يقوم عليها سوق المال وقانون الشركات. 6- الحديث عن قصور مواد قانون الشركات ومدى ملاءمته للمعاير الدولية يطول، إلا إنه بعد عرض ما تقدم، لا يسعنا القول إلا إن التركيز على التطور التشريعي لمظلة مركز قطر للمال، دون اعتبار لما يقع خارجة هو محل نظر. فمظلة قانون الشركات تحت وزارة التجارة والصناعة، إن صلحت مهامها، وتقوّم اعتلالها بسد الثغرات الواجب سدها، وتشريع بنود القانون بحيث تفصّل بحق، الحقوق الموضوعية والإجرائية للمساهم والشريك والدائن ولكل ذي مصلحة إنما ينعكس إيجابا لا سلبا على سمعة بيئة الاستثمار والمعايير الدولية لدولة قطر كمنصة جاذبة للاستثمارات لا نافرة لها. وأن التوجه المتحفظ على الحق في الوصول للمعلومة سواء للشركات المساهمة أو المختلطة غير مبرر إطلاقا. وقوام ذلك أن الشركة تجارية، بحسبانها تاجراً، وتتعامل تجارياً مع الغير – وطنياً أم أجنبياً - بيعاً وشراءً، ومع ذلك يُمنع الدائن من الوصول إلى المعلومات الجوهرية حول هذا التاجر بحجة مبدأ السرية؟!