13 سبتمبر 2025

تسجيل

أبعدوا أصحاب الثروة

06 مارس 2022

"لقد قيل إن السلطة تُفسد، ولكن في الحقيقة الأكثر صحة هو أن نقول إن السلطة تجذب الفاسدين، فعادة ما ينجذب العقلاء إلى أشياء أخرى غير القوة والسلطة"، هذا ما قاله غلين ديفيد برين الكاتب الأمريكي المعروف. من طبيعة البشر، أن يعملون لمصالحهم ولصالح أنفسهم وذريتهم، وهو بذلك يفعل ما يفعله الإداري أو السياسي الفاسد الذي ما إن يستقل منصباً يمنحه السلطة والقوة إلا وتبع هوى نفسه، وأرخى لها الحبال فصالت وجالت وتفننت في ظلم العباد، وسعت لاحتكار المنافع التي يخولها ذلك المنصب الحصول عليها، وأغدقت على من يصفق ويطبل لها، وحرمت ومنعت كل مخلص وطموح. ونجد أن الإسلام حارب وبشدة انفلات هوى النفس، وأمر بكبت هذه الغريزة وتوجيهها التوجيه السليم، وذلك ما قرره حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". إن الخوف من فقدان السلطة في أي وقت يصاحب الأشخاص الذين يصلون إليها دون وجه حق، فيدفعهم للانزلاق في هاوية الفساد، وإساءة استخدام هذا النفوذ لبناء شيء يمكنهم من الاستمتاع بهذه الامتيازات حتى بعد رحيلهم، بينما القادة الحقيقيون يعلمون أنه لا يمكن لأحد أن يفقدهم سلطتهم الحقيقية، ولا يهابون انتقال هذه السلطة لمن يستحقها عن جدارة. لا أميل إلى التصديق بأن أصحاب الثروة الشخصية يمكن أن يخدموا بشكل أفضل إذا ما قلدوا المناصب القيادية، فتحد بذلك نسب الفساد، فالثروة الشخصية لا تضمن النزاهة، بل هم يسخرون مناصبهم لتسهيل منافعهم وزيادة ثرواتهم، أغلب المسؤولين لديهم مشاريعهم الخاصة، فلذا من الأفضل أن يستبعد هؤلاء من الوظائف الحكومية، وتستثمر جهودهم في إدارة ثرواتهم في القطاع الخاص بما ينفع اقتصاد البلد، وبالتالي تمنح فرص أكبر لأصحاب الدخل المحدود، الباحثين عن عمل، وكذلك أصحاب الاحتياج الحقيقي للوظائف الحكومية، حيث يمكن تقدير حد أدنى للثروة يصبح بموجبها الفرد مستحقا للوظيفة الحكومية أو لا، وهكذا نضمن وجود فئة تدعم الاقتصاد من خلال تركيزها في العمل الخاص. يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه "فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، إن كان بعيراً جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاه جاء بها تعير. اللهم قد بلغت". هذا هو منهج النبوة، فكيف سيأتي من استغل منصبه ونهب وسرق وانتفع بما ليس حقاً له؟! وكيف سيأتي وقد حمل على عنقه الثروات الوطنية التي تلاعب بها وسخرها لمصلحته، وحرم المواطنين حقهم في الانتفاع بها والذين لهم الحق فيها؟. إن المغالاة والبطر في المعيشة يدعوان للفساد، فيقتصر النظر على المادة واللذة، وعندما يكون الإنسان عبداً لهما، فلا يكتفي من إشباعهما، بل هو دائم البحث عن المزيد، كما أن الملكية وكل شكل من أشكال الاستبداد هو موطن للفساد، فيميل المتسلط إلى جمع المتملقين المتزلفين، وتنحية النزهاء المخلصين، فلا ملكية في الإسلام، إذ أنت وما تملك لله تعالى، وسوف يحاسبك الله فيما آتاك من ملكه، أأحسنت أم أسأت التصرف به! ولا يمكن القضاء على الفساد إلا عبر تغيير أسبابه في الواقع، فما دامت الأسباب قائمة فالمسببات أيضاً قائمة. ويرتبط الفساد بالسلطة غير المحكومة برابط صميمي، يمكن حله بخلق السلطة المحكومة التي تبدأ بحلحلة هذا الرابط، فتصبح السلطة تكليفاً مرهقاً لا مزية وفائدة، فالسعي فيها للعدل، والعمل بإخلاص، ونيل محبة الناس في الدنيا، والفوز بظلال الآخرة، لا البحث عن خلق الثروة والعلو والكبرياء في الدنيا. إن الإيمان بأن الله مصدر السلطات وليس أصحاب النفوذ، والبشر يضعون الوسائل والضوابط لتطبيقها، هو اللبنة الأولى نحو مكافحة الفساد، فعوضاً عن مكافحة الفساد بالشعارات ومهترئ الكلام، والترويج الزائف لمجتمعات مسالمة متحررة من الفساد وعامة للجميع، ينبغي التوجه إلى القلوب وإحياء الإيمان، وتجديد العهود مع الخالق سبحانه، ينبغي التركيز على القيم والمبادئ الإسلامية وتطبيقها في المجتمع المسلم، فنحن نعيش مجتمعات إسلامية شكلاً ليبرالية مضموناً، فمن يضع الأسس فاسد، والنظام العالمي فاسد، فكيف ينبغي أن نكون وقد تخلينا عن إسلامنا وارتضينا حكماً غيره؟!. إن مقولة "أفسدته السلطة أو المنصب" مقولة عارية عن الصحة فكل مراعٍ لله قائم بأوامره لا يمكن لشيء أن يفسده، إنها ليست القوة التي تفسدك، إنها قيمك ومبادئك وشخصيتك. دمتم بود [email protected]