10 سبتمبر 2025

تسجيل

رأس مالك الأشمّ

06 فبراير 2024

من الجليل أن تحلّ على المرء لحظة تنوير، يُدرك من خلالها أن كل التحديات التي تواجهه أو يعبر من خلالها هي فرص فذّة للاستثمار في نفسه، وأن كل الاختبارات التي يخوضها هي منحة يعي من خلالها أنه رأس المال، والبطاقة الرابحة، وأن كل خيباته هي تجارب مدفوعة الثمن من وقته وجهده وماله، تمنحه التزكية والترقية إن أراد، وأن كل آلامه وأحزانه، وقلقه وخوفه، وتزلزل الأرض من تحته، هي نقاط تحوّل نفيسة لا تُقدّر بغالي الأثمان. وأن كل العثرات والتأخيرات، هي مُصممة لتزيد من صلابته وحنكته، وتفيض عليه بالحكمة والنضج وتزوده بالتريّث والتأني، وتنمّي ذائقته لكل ألوان الشعور، وتُثمّن في قلبه تلك اللحظات العزيزة من النصر أو الوصول والتحقيق، وتضفي على حياته ألواناً شتّى ربما لم يدرك حتى وجودها، ويتذوق معها طعوما غنيّة ذات مذاقات متعددة تُثري تجربته. وهذا هو أصل تجربة الحياة لمن يُدرك، فهي خوض في عباب الأيام بكل حالاتها، بهدوء موجاتها، وبعواصف رياحها، وببوارق رعودها، وبالغوص المثير في جنبات لُجتها، وبفرحة الوصول للدُر الكامن في أحشائها. هي رحلة لا يُدرك كنهها إلا كل من تُحلّق روحه بحب المغامرة، وفضول الاستكشاف، وتقوّى قلبه بمتعة الاستجلاء. وما أحرى بالمرء أن يعي أن من تيقظ لكل ذلك فقد أعاد الاتزان، وحلّت عليه البركات، وتغيّرت في عينه ألوان الحياة، واختلفت عنده مذاقاتها، فيغدو متعاطياً مع تحديات الحياة بسعةٍ أكبر، وباستفادةٍ أعظم، تُخرجه غالباً منتصراً، قد اشتدّ عوده، وتباهى جنانه، وتألقت مهجته، وسما وارتقى، وفاز وجنى وهو يُدرك أنه عاش حياته عاباً من رحيق الأيام تجارب غنيّة، وخبرات ثرّية، ويعلم أنه قد دفع الثمن مقدماً، بتعمّده نية الاستثمار الرابح في نفسه، وفي تجارته مع الله الذي لا يخسر معه أحد. لحظة إدراك: ما أجّل أن يُدرك المرء أن ديدن الحياة وطبيعتها يتطلب الاستثمار في نفسه، فهو رأس المال الأشمّ الذي يُراهن عليه، جسداً وروحاً، فكراً وشعوراً، وأنه من الأولى له أن يعي ما قيل من قبل: (السفينة آمنة على الشاطئ، ولكنها لم تُصنع من أجل ذلك))، فهذا مما يُعظم استثماره في نفسه، والاستمتاع بحصاد أيامه.