13 سبتمبر 2025

تسجيل

المحرر

06 فبراير 2018

أعتقد أننا بالرغم من عدم وجود وظيفة المحرر الأدبي في العالم العربي، أي في ثياب وظيفة رسمية ملحقة بدور النشر، إلا أننا نملك هذه الوظيفة بالفعل بطريقة أخرى، فكثيرا ما نقرأ في حوار مع كاتب، أنه يعطي النص لأحد أصدقائه ليعطي رأيه فيه قبل أن يرسله للناشر، وهنا لا بد أن رأي الصديق هذا قد أضاف شيئا أو حذف شيئا آخر. أيضا هناك من يردد أن زوجته هي قارئته الأولى، وهنا نستطيع كذلك أن نستشف ما يمكن للزوجة أن تفعله بنص أراد صاحبه رأيها فيه. أذكر عام 1987 حين كتبت روايتي الأولى وكانت بعنوان "كرمكول"، على اسم قرية ريفية ولدت فيها، أن ذهبت بها إلى مثقف مصري، يقيم في طنظا قريبا من مكان إقامتي. كان اسمه محمد الشيمي، وكان معروفا بعشقه للكتب، ومصادقتها وحفظ مقاطع عديدة منها يرويها للناس في الطرق والمقاهي، وكان أول من لفت انتباهي إلى روائع لم أكن قرأتها آنذاك، مثل يوليسيس لجيمس جويس، وجابريلا قرفة وقرنفل لجورجي أمادو، ومديح الخالة لماريو فارجاس يوسا. سجنت الشيمي عدة ساعات وأنا أقرأ عليه نصي كاملا، وحين فرغت وجدته ينحاز للنص بشدة، ثم يزودني بعدة أفكار أخرى ستساهم إن طبقتها في زيادة إبهار النص.  الذي حدث أنني لم أفعل ما أشار به الشيمي ونشرت النص بنفس هيئته التي كتبته بها، ولو فعلت لربما كان لتلك الرواية القصيرة التي انمحت الآن من قائمة كتبي، شأن آخر. لقد كان الشيمي محررا بثقافته ومقدرته وكنت مبتدئا بحاجة لوظيفته وبالرغم من ذلك لم أستغلها. أخلص إلى أننا بحاجة لوظيفة المحرر الأدبي الرسمية، في العالم العربي، وحين تكون رسمية، قطعا هي ملزمة بخلاف رأي الصديق أو الزوجة، وهو رأي ربما يلتزم به الكاتب وربما يلقي به بعيدا. قطعا ستضيف مثل تلك الوظيفة كثيرا للإبداع المكتوب، وسنتخلص من الزوائد التي تملأ الروايات بلا معنى. الرواية المكتوبة بفكرة خلاقة وأسلوب ذكي ومرت على محرر ذي دراية وموهبة، تحدث في رأيي أثرا أعمق مما لو أنها كانت مسؤولية الكاتب وحده.