11 سبتمبر 2025

تسجيل

مطاريد أفلاطون

06 يناير 2016

في معرض الكتاب الأخير، خيّل لي وأنا أشاهد آلاف الكتب في دور العرض، أنها عريضة كبيرة تترافع عند صاحب الجمهورية الفاضلة، الذي طردهم خارج أسوارها شرّ طردة.فما جدوى هذا الشقاء الأبدي بنار الحرف؟ وما عزاء المعذبين في أرض الكتابة؟ وهم يبتعدون عن الواقع شيئاً فشيئاً، لقد خرج الشاعر م مذموماً مدحوراً من مدينة أفلاطون، لأنه متصنّع محتلق، لا يقول الحقيقة. فيما ظلّ الباب مفتوحاً في القرآن الكريم للشعراء المؤمنين الممتازين عن دائرة الشعراء الذين "يقولون ما لا يفعلون". فالخطورة التي يمتلكها الشاعر في النصّ القرآني تتجلّى في قدرته على التأثير في الآخرين (الغاوون). التهمة ذاتها التي وجّهها الروائي ميلان كونديرا إلى الشعراء في روايته "الحياة هي في مكان آخر" عبر شخصية الرسّام موجها تهمته إلى الشاعر الشابّ أن الشعر زيّن أقبية السجون بأقواس قزح رائعة.انسحب الشاعر إلى الهامش، واحتل مكانه أكثر من فنّ وجنس كتابة، ولم يعد ينتمي إلى دائرة المثقف، التي يتنازعها محلّلو الأخبار، وقرّاء النشرات المسائية، وكتّاب الرواية، وحمل المثقّف في كثير من أدواره وصمة الشاعر الأبدية الهائم في أودية مديح من لا يستحقّ، وهجاء من لا يدفع. وشهد العالم كلّه شراء ضمائر صحف وأقلام، لتنحاز إلى الأقوياء، القادرين على الترغيب والترهيب. ومع شدّة الاستقطاب المذهبي والإثني، كان المثقفون يخذّلون مع السياسي والمحارب عن مصلحة القبيلة، فإن غوت غوى، وإن ترشد فسيرشد حكماً، ولم يعد هناك من يفاجئنا بوقوفه مع الحقائق، ومع غروب شمس الكلمة، صار المثقفون كتلة ملحقة بصانع القرار، تسوّغ وتبرّر ما وقع، بعدما كانت تُلهم وتشير وتهيّئ.في ذلك المعرض كانت الكتب تنادي على (الغاوين) بعناوين لافتة جاذبة، وأغلفة ملوّنة، وكتاب "الجمهورية الفاضلة" على رفّ مرتفع يراقب المشهد.