15 سبتمبر 2025
تسجيلحياتنا جملة من المواقف المُعقدة الحبكة، التي (لا تُفهم) حتى وإن بدت لنا سَلِسة تغلب عليها (البساطة)، أي تلك التي نتوه معها دون أن ندرك إلى أين ستصل بنا لنصل؟ لذا نميل إلى التصديق بأنها معقدة فعلاً، فهي تلك المكتوبة بحرفية تامة كـ (سيناريو) عالي الجودة، لا يُسمح لأي واحد منا بالتدخل في تفاصيله، ولكن الالتزام بدوره المُسند إليه حتى وإن لم يكن على مقاس رغباته، فهو ما يجدر بأن يكون؛ كي تمضي الحياة، ذات الخشبة الكبيرة التي تطالبنا بالتفرج تارة، وبالتمثيل تارة أخرى، ولكن بعنف يجبرنا على كسر الحائط؛ كي نعلن عن حالة تمرد تفوق توقعات الجمهور المتفرج، ومن قبلها تلك التوقعات (ما نتوقعه نحن)؛ لذا نعيش تجربة صادقة مع عنصر (المفاجأة)، التي تأخذ لها حيزاً لا يُستهان به من الذاكرة حيث ستُسَجَل على صفحته؛ لنطل عليها بين الحين والآخر، وتحديداً كلما تجددت ذات الظروف، التي تساعدنا على استدعاء تلك التجربة؛ كي نعيش تفاصيلها من جديد، وكل ذلك بفضل وجودنا في المسرح، الذي يملك قدرة على إيقاظ ما ينام في أعماقنا (أو كما نعتقد بأنه كذلك) . (من جديد الحياة كمسرح كبير) لطالما صدقت هذه الكلمات (الحياة كمسرح كبير) وذلك بفضل ثقتي التامة بأنها كذلك، ولإدراكي أن ما نفعله على ظهرها يُظهرنا كممثلين، منا: من يتقن دوره، ومنا من لا يفعل، وبين من يفعل ومن لا يفعل، نعيش حالة تجبرنا على الخروج من جو ذاك المسرح الكبير؛ لدخول عالم مسرحي أصغر يفيض بالكثير من الطاقات الجبارة التي تستطيع وبكل سهولة إيقاظ ما قد أعلن (موته دماغياً) حين سلم للواقع دون أن يحاول تغييره للأفضل، أو على الأقل محاولة تحريك مؤشره نحو الأفضل، الذي يحتاج إليه المسرح الكبير، وبكلمات أخرى (الحياة) التي تتوقع منا بقدر ما نتوقع منها. إن التطرق بالحديث عن المسرح في هذا اليوم ليس وليد صدفة وإن كانت التجربة التي عشتها مجرد صدفة ارتطمت بها دون تخطيط مسبق، وهي تلك التي عرفتني وللمرة الأولى بطاقة شابة التقيت بها كما فعل غيري عن طريق الشاشة الذهبية، وتحديداً من خلال برنامج (Arabs got talent) المعروض حالياً على قناة الـ mbc، ضمن فقرة تقدم من خلالها صاحب تلك الطاقة الشاب (عمرو عمروسي)، الذي قدم لنا مشهداً عميقاً، لعب فيه بأداء عالي الجودة خرق الجمهور المُتابع حين اخترق أعماقه؛ ليوقظ ما قد نام ولأعوام (والحديث عن البعض) في دقائق معدودة لخصت أوجاع البشرية، التي تكونت نتيجة صراعات أزلية نخرت جسدها، وتسببت بتمزق أنسجته، التي تبحث عمن يعالجها، فالظاهر على السطح أن ما قد قدمه الـ (عمروسي) ليس سوى قرصة، في حين أن ما قد أدركته الأعماق هو أن ذاك المشهد هو أكثر من مجرد قرصة؛ لأن ما قد قدُم لفت انتباه من يغفل الحقيقة ولا يحاول البحث عنها؛ للتعرف عليها، والحق أنه قد تسبب بوجع هائل لامس الأعماق، حين أعلن وصول الرسالة التي حرص على توجيهها الـ (عمروسي) للجميع حين مُنح فرصة تقديم ما يريده وما يرغب بترجمته على أرض الواقع، ومن وجهة نظري فإن هذه الموهبة وغيرها من المواهب المسرحية ما تستحق منا فرصة؛ كي تكتب واقعنا الكبير على خشبة مسرح أصغر يحمل على عاتقه مهمة بث رسالة عظيمة تُسلط الضوء على ما نتحاشاه ونفر منه؛ كي نلتفت وللأسف الشديد لأمور أخرى لربما لا تستحق منا كل ما نتقدم به من أجلها، خاصة بتواجد ما يستحق بأن نُعبر عنه ولو بكلمة واحدة. بالعمل في المجال المسرحي، وبالتوجه نحو الكتابة المسرحية (المتواضعة) يمكنني القول بأننا نملك طاقات مسرحية (شبابية) مبدعة تستحق منا فرصة تعلن فيها عن توجهاتها عن طريق توفير المساحات الكافية، التي تستطيع ومن خلالها التعبير عنها كما تراه مناسباً وهو ما لا يجدر به بأن يتجاوز حدود المعقول والمقبول، ولكن ما يمكن بأن يكون ضمن محيط يقدم له حق الإبداع وبإبداع تماماً كما تم في (المهرجان المسرحي الشبابي الخامس)، الذي أسدل ستاره منذ أيام بعد أن قدم على ظهر خشبته جملة من الأعمال المسرحية، التي سمحت لأبطالها بالتعبير عن القضايا التي تشغل بالهم بطرق مختلفة؛ مستندة إلى مدارس مختلفة ذهبت بالجمهور المتفرج حيث تريد، ولكنها عادت به وفي نهاية المهرجان إلى (نقطة التجمع)؛ كي تدرك النتائج، التي يسرنا بأنها قد قدمت لكل من يستحق ما يستحقه ضمن قسمة عادلة (والحمدلله)، فكل التوفيق لمن فاز، أما من لم يحالفه الحظ بالفوز بما كان يتمناه فما عليه سوى بذل المزيد من المحاولات وبإذن الله سيصل. وأخيراً فإنه ليسرني أن أقف على هذه الحقيقة وهي: للمسرح قدرته على مناقشة العديد من القضايا بشكل مغاير يشمل تقديم الفرجة، وبذل القيمة التي لا نستطيع الهروب منها؛ لِعظم ما تحتويه حتى وإن قررنا التخلص منها؛ بسبب القالب الذي قُدِمَت لنا فيه، وذلك برميه ورميها خلف ظهورنا؛ للسير في اتجاهات أخرى مهما اختلفت إلا أنها تظل تجمعنا في ذات البقعة، التي كُتب على رأسها (هنا البشرية)، وهي تلك التي تُحتم علينا التفكير بطريقة تترجم البشرية التي ننتمي إليها، لا الحجرية التي لا تمت لنا بصلة، وعليه يجدر بنا تقبل ما يقدمه لنا المسرح (والإشارة إلى كل الأعمال القيمة واللائقة) دون أن نصده قبل أن ندرك ما يحمله لنا في جعبته، فهل وصلت الرسالة؟