11 أكتوبر 2025
تسجيلفي بداية أي عام جديد، دائما ما يسأل الناس عن أمنياتهم للعام الجديد، وكيف يتكهنون بمجريات حياتهم فيه؟، ولأن الكاتب أو المبدع عموما، جزء من الناس، فدائما ما يعمد كثير من الصحفيين إلى سؤاله هو الآخر، ليحصلوا على إجابات متباينة لأمنيات بعضها قد يتحقق وبعضها قد لا يتحقق أبدا.كثير من المبدعين تمنوا هذا العام أن تستقر بلدانهم المضطربة، ويعود إليها الأمن والسلام، أو على الأقل، تعود الحياة إلى وتيرتها الطبيعية، وكلنا يعرف ما حل ببلدان الربيع العربي، من صعوبات كبيرة، حتى في نيل أبسط مقومات الحياة. بعضهم تمنى أن ينجح له كتاب، وهذا قد يحدث لا بالأمنيات فقط، ولكن بأن ينتج كتاب مميز، وجديد، يستحق أن يلتفت إليه الناس وينجح بعد ذلك، ويوجد من تمنى أن يحصل على وقت ليكتب كتابا مؤجلا، أو يقرأ كتبا مؤجلة، وهذه أمنيات عادية بكل تأكيد.بداية العام الماضي، كانت أمنيتي أن أتوقف عن الكتابة، وكنت صادقا في ذلك، فالكتابة لغير المتفزغين لها، مسألة شديدة القسوة، ولا ترحم. الكاتب من هؤلاء يعمل باستمرار، يعمل ليعول أسرته، ويعمل ليعول مشروعه الكتابي. لقد عمدت إلى تحقيق تلك الأمنية بطرد كل أفكار تتلاقح في الذهن مهما ألحت، واتجهت في ما أجده من وقت، إلى قراءة كتب اقتنيتها بحب ولم أستطع قراءتها بسبب الانشغال، لكن في النهاية، لم أستطع حين سطرت فكرة غريبة على ذهني، ووجدت نفسي أنساق لها، وأيضا من جديد، سجينا لمرض الكتابة الذي لا يوجد منه شفاء كما أعتقد، وقليلون هم من استطاعوا الإفلات من أسره، وهؤلاء في الغالب لم يكونوا أصحاب مشاريع كبرى، وكانت كتابتهم حتى وهي مميزة وناجحة، ناجمة من دفقات شعورية في سنوات معينة، توقفت بغد ذلك.لقد قال لي الصديق الشاعر عبد الله الحامدي، إن أمنية التوقف عن الكتابة، لا تليق، وقد كتب أدباء مثل ماركيز أعظم كتاباتهم وهم قد تجاوزوا السبعين. هذا كلام فيه شيء من الصحة، وأظن أنه ينطبق على يوسا أكثر من ماركيز، فليوسا كتابات ناجحة بعد أن تجاوز السبعين، بينما رواية ذكرى غانياتي الحزينات لماركيز، التي كانت آخر كتاباته إن لم أكن مخطئا، والتي استشهد بها عبد الله، لم تكن في رأيي الشخصي ناجحة مثل كتاباته الأولى، وكانت نسخا غير متقن لرواية الياباني: ياسونارا كواباتا: الجميلات النائمات، والتي طالما أكد ماركيز عشقه لها، وإنه يتمنى لو كان كاتبها.عموما ليس لي أمنية خاصة هذا العام، ولا في أي عام مقبل إن عشت لعام مقبل، هي عذابات لكتابة التي اتضح أنها باقية ما بقي العمر، لكني لن أكتب إلى تلك الفكرة الملحاحة التي تؤرقني ولا أستطيع الإفلات من إلحاحها، أو تلك الفكرة التي قد تنتج رواية تبقى في الأذهان لزمن طويل، كما قال التركي أورهان باموق، فكل من يكتب عملا، يظل أسيرا لعمله فترة، ثم لا يحس بقيمته بعد ذلك، وقد قال باموق إنه لم يكتب روايته الخالدة بعد، ويمنى لو استطاع كتابتها، أنا أيضا أردد ما قاله، فقط من الذي يقرر إن ذلك العمل خالدا، وذلك مصيره النسيان.