17 سبتمبر 2025

تسجيل

موازنة ضخمة لكن محافظة للسعودية للعام 2013

06 يناير 2013

تميزت المالية العامة في السعودية في السنوات القليلة الماضية بتسجيل أرقام ضخمة وذلك بعد الكشف عن أن الأرقام النهائية أعلى بكثير من تلك التي يتم رصدها عند الإعلان عن الموازنات. وخير دليل على زعمنا هذا هو تسجيل فائض مالي يفوق 100 مليار دولار في السنة المالية 2012 والتي انتهت حديثا. لا شك يعود الأمر بشكل جوهري للتطورات في القطاع النفطي من قبيل قيام السعودية بتعويض أسواق النفط العالمية لمقاطعة النفط الإيراني. جريا على العادة وتطبيقا للسياسية المالية المحافظة للمملكة فقد تم تقدير موازنة 2013 بنفقات وإيرادات قدرها 219 مليار دولار و221 مليار دولار على التوالي، وبالتالي توقع فائض محدود يقدر بملياري دولار. لكن يتوقع أن يكون الرقم الفعلي للإيرادات أعلى بكثير عن المعلن بسبب التطورات في القطاع النفطي. بل ليس من المستبعد أن يكون الفائض الفعلي ضخما بشكل نوعي كما كان عليه الحال في 2012 بسبب الدخل النفطي والذي بدوره يشكل ثلاثة أرباع كل من إيرادات الخزانة العامة من جهة والصادرات من جهة أخرى. اللافت في هذا الصدد هو تكرار سيناريو تحاشي السلطات في السعودية نشر الرقم المفترض لبرميل النفط رغم الأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي للاقتصاد السعودي سواء بالنسبة لدخل الخزانة. لا شك يمثل متوسط السعر المفترض لبرميل النفط متغيرا مهما بالنظر لكون السعودية أكبر مصدر للنفط الخام في العالم. في المقابل، تمارس السلطات السعودية الشفافية والالتزام فيما يخص نشر أرقام الموازنات الجديدة قبل دخولها حيز التنفيذ كما هو الحال مع الموازنة الجديدة. وفي كل الأحوال، لا بأس من الوقوف على موازنتي 2012 و2011 لمعرفة التوجهات الفعلية لموازنة 2013 والتي بدأت مطلع السنة الجديدة. في التفاصيل، ارتفعت إيرادات العام 2012 بواقع 143 مليار دولار وصولا إلى 330 مليار دولار أي الأكبر على الإطلاق في تاريخ المملكة. ويكشف هذا التطور مدى استفادة السعودية من تعويض أسواق النفط العالمية على خلفية قرار الاتحاد الأوروبي بوقف توريد النفط الإيراني. يعتقد عالميا بأن لدى السعودية قدرة على تعزيز مستوى إنتاجها النفطي بواقع مليوني برميل يوميا فوق حصتها المحددة لها في منظمة أوبك.   وبالنسبة للنفقات فقد ارتفعت قيمتها بواقع 43 مليار دولار وصولا إلى 227 مليار دولار. وعلى هذا الأساس، ارتفع الفائض المتوقع للعام 2012 وقدره 3 مليارات دولار إلى 103 مليارات دولار في نهاية المطاف ما يعد أمرا غير عادي بكل المقاييس العالمية. من المؤكد، كان بمقدور السلطات تعزيز النفقات بشكل أكبر بسبب توافر الفرصة، لكن من الناحية العلمية ربما لم يكن الخيار متوفرا بالضرورة بالنظر لعدم الإعداد لذلك. من المؤكد ليس من الصواب الصرف على أي مشاريع فقط بسبب توافر الفرص المالية دونما الإعداد المتكامل بما في ذلك التداعيات المحتملة على أمور مثل التضخم. وربما هذا يفسر محدودية التضخم بنسبة تقل عن 3 في المائة في 2012 قياسا بأرقام العام 2011. يعد التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد كونه يضر الجميع لكن بدرجات متفاوتة للمقتدر وغير المقتدر. ويشكل هذا الرقم قرابة 14 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للعام 2012 والذي بلع 727 مليار دولار بالأرقام الجارية. وللتدليل على أهمية الفائض يلزم مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والذي دخل حيز التنفيذ مطلع العام 2010 بتقييد مستوى عجز الميزانية عند 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكننا هنا نتحدث عن الفائض وليس النقص ما يعد أمرا مريحا وخلافا للمشهور. وقد أسهم النمو الاقتصادي للعام 2012 وقدره 8.6 في المائة في رفع مستوى حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى 727 مليار دولار إلى بقاء السعودية ضمن أكبر 20 اقتصادا في العالم. عموما المعروف بأن المملكة هي الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين والتي تضم كبرى الاقتصادات العالمية بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا واليابان والصين والبرازيل والهند. وفيما يخص موازنة السنة المالية 2011 فقد أسهم ثنائي زيادة الإنتاج النفطي من جهة وبقاء أسعار النفط مرتفعة من جهة أخرى خصوصا مقارنة مع الرقم المفترض عند إعداد الموازنة إلى ارتفاع حجم الإيرادات لأكثر من الضعف من 144 مليار دولار إلى حوالي 296 مليار دولار. بدورها، وفرت حالة زيادة دخل الخزانة الفرصة لرفع مستوى النفقات العامة من 155 مليار دولار إلى 214 مليار دولار في نهاية المطاف وبالتالي تسجيل فائض قدره 82 مليار دولار. وقد سمحت ظاهرة تعزيز الإيرادات في السنوات القليلة الماضية بقيام السلطات السعودية في العام 2011 بإقرار مخصصات قدرها 130 مليار دولار للصرف على مختلف البرامج الاجتماعية إضافة إلى بناء مساكن جديدة فضلا عن منح علاوات وتسهيلات متنوعة للمواطنين بغية تحسين رفاهية الشعب السعودي. وقد بدأت عملية صرف المبلغ في 2011 ولعدة سنوات بما في ذلك العام الحالي. ختاما، عودة لموازنة 2013، فقد أقر المسؤولون تخصيص حصة الأسد للتعليم والرعاية الصحية وهي من الصفات التي تكون محل اقتدار. بل من شأن تعزيز النفقات على التعليم والصحة والبنية التحتية المساهمة في تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية الحيوية فيما يخص تحسين ترتيب المملكة على مؤشر التنمية البشرية فضلا عن تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي. ويحدونا الأمل بأن تساهم زيادة النفقات إلى تحسين ترتيب السعودية على مؤشر التنمية البشرية، حيث جاء ترتيبها في المرتبة رقم 56 دوليا في تقرير 2011 وهي آخر سنة تتوافر حولها أرقام التقرير الدولي عند إعداد بحثنا، أي الرابعة خليجيا بعد الإمارات وقطر والبحرين. بقي علينا انتظار النتائج النهائية للسنة المالية الجديدة.