12 سبتمبر 2025
تسجيلفي الشهر الماضي أصدرت المحكمة الدستورية الكويتية حكمها برفض الطعن المرفوع من قبل عدد من رجال القضاء بعدم دستورية قانون إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية. وقد سبق للمحكمة الدستورية الكويتية أن أصدرت في عام 2015 حكمًا بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2012 بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية. هذا المرسوم بقانون الذي صدر في غيبة مجلس الأمة الكويتي في عام 2012. وقد بنت المحكمة الدستورية حكمها في عدم دستوريته على عدم توافر الضرورة الموجبة لإصداره. ذلك أن المراسيم بقوانين تشريعات استثنائية اشترط الدستور لإصدارها شروطا محددة، منها أن تتحقق بها حالة الضرورة التي تستوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. مما دفع الدولة بعد هذا الحكم إلى أن تصدر الأحكام الخاصة بإنشاء هيئة مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية بالأداة التشريعية (قانون) هذه المرة، فجاء القانون الجديد يحمل رقم (2) لسنة 2016، هذا القانون تضمن أغلب أحكام المرسوم بقانون الملغي، لكون حكم المحكمة السابق بعدم الدستورية تعلق بعيب إجرائي وليس بالأحكام الموضوعية التي كان المرسوم بقانون يتضمنها. حكم المحكمة الدستورية الذي صدر في الشهر الماضي ذهب إلى دستورية القانون الجديد. هذا القانون أخضع لأحكامه طائفة من الأشخاص منهم رئيس ونواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ومن يشغل وظيفة تنفيذية بدرجة وزير، ورئيس ونائب رئيس وأعضاء مجلس الأمة ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء ورئيس ومستشاري المحكمة الدستورية والجهاز الفني للمحكمة والقضاة وأعضاء النيابة العامة، وغيرهم ممن نصت عليهم المادة الثانية من القانون. هذا القانون ألزم هذه الفئات بتقديم إقرارات الذمة المالية وفقًا لأحكامه، كما أجاز للهيئة فور علمها بوجود شبهة جريمة فساد بجمع المعلومات بشأنها، ومكنها في سبيل ذلك من الاطلاع على السجلات والمستندات والوثائق المتعلقة بالجريمة محل العلم. كما أجاز لها في حال وجود شبهة جريمة كسب غير مشروع أن تطلب بشكل سري من الأفراد أو الجهات الحكومية أو الخاصة البيانات والإيضاحات والأوراق التي ترى لزومها. الطاعنون بعدم دستورية قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية رأوا أن هذا القانون يخالف بعض نصوص الدستور، إذ إنه ينتهك الحق في الخصوصية ويعتدي على الحرية الشخصية ويخالف مبدأ الأصل في الإنسان البراءة، كما نعوا أيضًا بأن نصوص هذا القانون تتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات، وأن بها افتئات على استقلال القضاء وإهدار للضمانات المقررة لأعضاء السلطة القضائية. فهذا القانون منح أشخاص تابعين للسلطة التنفيذية سلطة جمع المعلومات والأدلة لمجرد شبهة أو شكوى كيدية، وهو أمرٌ قد يعصف بحصانة أعضاء السلطة القضائية. أما المحكمة الدستورية فقد بينت أن القول بانتهاك الحق في الخصوصية والاعتداء على الحرية الشخصية قول مردود، لأن القانون يهدف من ذلك تحقيق غاية وطنية تقتضيها المصلحة العامة للبلاد في مكافحة الفساد صيانة للوظيفة العامة وحفاظًا على المال العام. كما رأت أن الادعاء بمخالفة أصل البراءة ادعاء غير صحيح لأن جرائم الفساد المنصوص عليها في هذا القانون لا تثبت إلا بالأدلة التي تقدمها النيابة العامة للتدليل على قيام الجريمة، ولم يفترض القانون أي قرينة تحكمية في حق المتهم تجعل عبء نفيها عليه. أما عن النعي بانتهاك القانون لمبدأ الفصل بين السلطات والإخلال باستقلال القضاء فقد ردته المحكمة الدستورية بأن الدستور عندما أقام هذا المبدأ لم يجعله فصلًا تامًا بل فصلًا مصحوبًا بالتعاون المتبادل، وأن ما تقوم به هيئة مكافحة الفساد لا يعدو أن يكون من قبيل جمع المعلومات والاستدلالات للتحقق من جدية شبهة جريمة الفساد المثارة أمامها وهي لا تملك أن تتجاوز ذلك إلى اتخاذ أي إجراء من الإجراءات التحفظية أو إجراءات التحقيق التي نص القانون على أن تختص به النيابة العامة. كما أن تقديم أعضاء السلطة القضائية إقرارات الذمة المالية باعتبارهم ممن يخضع لأحكام هذا القانون لا يتضمن أي مساس باستقلالهم ولا يجردهم من الضمانات الأساسية التي كفلها الدستور والقانون لهم، إذ يبقى اتخاذ أي إجراء قِبلهم من اختصاص النيابة العامة بعد اتباع ما نص عليه القانون من إجراءات والتي تتمثل في استئذان المجلس الأعلى للقضاء وموافقته على اتخاذ تلك الإجراءات. في قطر لدينا هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، نتمنى منحها المزيد من الاستقلالية، وإعادة النظر في اختصاصاتها بحيث يكون لها تلقي التقارير والشكاوى والمعلومات الخاصة بجرائم الفساد، وتلقي إقرارات الذمة المالية وحماية المبلغين وطلب التحري من الجهات المختصة، وأن تتسع دائرة الفئات الخاضعة لأحكامه. الطعن في دستورية قانون مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية من قبل بعض أعضاء السلطة القضائية حتم أن يحمل مقالنا هذا العنوان، ولا يعني ذلك أن القانون غير ذي أهمية لمكافحة ما قد ينجم عن أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية من فساد. هذا و الله من وراء القصد.