28 أكتوبر 2025

تسجيل

دوار

05 ديسمبر 2016

لن أحكي كثيرا، عن تلك الأيام الطويلة، التي قضيتها في باخرة مجهزة من صنع التكنولوجيا الحديثة، أبحرت بها من ميناء ليفربول، أحد أهم الموانئ البريطانية، وتهادت من بحر هادئ إلى محيط هادر، إلى صخور وجزر، ومياه ضحلة، وعميقة حتى ميناء الإسكندرية في مصر، كانت رحلة ناعمة بمقاييس تلك الرحلات التي قرأت عنها في الكتب القديمة التي استعرتها من عند دوريس الحولاء، رغم دوار البحر الذي لم أكن أعرفه سابقا ولم أسمع به إلا حين أصابني في الأيام الأولى من الرحلة، وأقعدني في الغرفة الفسيحة نسبيا، والتي أتشاركها مجبرا مع عشرة رهبان مسنين، زاهدا عن تناول وجبات الطعام في الغرف المخصصة لذلك، وبعيدا تماما عن تلك الحفلات الراقصة والمسابقات الحماسية، التي كانت تعقد على سطح الباخرة المضاء بالفوانيس الملونة، وتقدمها سونيا آفرين، إحدى ملكات الجمال كما أخبروني، ولم أكن قد سمعت بها من قبل ولا بتلك المسابقات التي تصير النساء ملكات على عروش لن يمكثن فيها طويلا، وكانت في رحلة إلى مصر بدعوة من تاجر مجوهرات يهودي، التقاها في لندن، وأرادها شركا مدججا باللآلئ، ربما تسقط فيه نساء الشرق. كان إحساسا قاسيا بلا شك، أن تحاول استخدام قدميك في الوقوف أو المشي، ولا تستطيع، تبحث عن ذاكرتك في لجة الدوار ولا تعثر عليها، وتستفرغ أحشاءك كلها هلعا. وحين استرددت عافيتي بعد ذلك شيئا فشيئا، وأصبح بإمكاني تذوق دوار البحر كما أتذوق فاكهة طرية، خرجت إلى السطح في كامل أناقتي، حلة بيضاء فصلتها قبل سفري بأيام، ورباط عنق أحمر، ووشاحا من القطيفة، دليته على صدري، تماشيا مع موضة ذلك الزمان. أكلت بشره وشربت بلا مبالاة وغنيت ورقصت على أنغام فرقة السمك البحري، وهي فرقة شبابية لم تكن معروفة على الأرض، وظهرت بظهور تلك الباخرة نوعا من الترفيه عن المسافرين في تلك الرحلات الطويلة.