13 سبتمبر 2025

تسجيل

فلتبحث عنها جيداً

05 نوفمبر 2013

مزاجية الإنسان المبدع هي أزمة مطاطية الهوية، يعاني منها من حوله كما يعاني منها المبدع ذاته، غير أن ما يواجهه هذا الأخير يختلف كثيراً من حيث حجم الصراع الذي يمتد بداخله ولا يتقاسمه مع أي أحد سواه، فهو ما يكبر بقدر ما يسمح له، ويصغر بقدر ما يسمح له أيضاً، حتى أنه قد يصبح قبيحاً ومملاً في مرحلة من المراحل، ولكنه ما سيغدو من بعد ذلك جميلاً جداً، وتحديداً حين تحين لحظة قطف (ثمرة النجاح)، التي تنضم وفي نهاية المطاف إلى قائمة الإبداع وبإبداع منقطع النظير ينحدر من سلاسة المتوقع، أي كل ما كان يتوقعه ويدركه ذاك المبدع، ويعلم أنه ما سيكون منه، إلا أنه ذاك الذي كان يجهل متى وكيف سيكون منه (له)؟ بداخل كل إنسان منا كتلة من الإبداع تحتاج لإبداع حقيقي؛ كي تخرج وتكون، فإن توافرت لها كل العوامل المساندة لكانت بالفعل، وإلا فإنها لن تكون وستظل حيث هي، فهي تلك التي تعتمد على صلابة عزم صاحبها، وسخونة رغبته، وسعيه الجاد نحو تحقيق ذلك، أي كل ما لا يمكن أن نتفق عليه جميعنا حتى وإن اتفقنا على حقيقة أنه ما نملكه ويجوب أعماقنا؛ لأننا وإن فعلنا لخرجنا بذات المنتج، وبذات الجودة، أي أنه ما يعني وبكلمات أخرى كل ما لن يُمثل أي جديد يمكن أن يُذكر؛ ليُذكر، وهو حتماً ما لا نريده لنا؛ لأن الحياة تضمن نجاحها حين نمدها بالجديد المفيد، وكل ما يفوح منه عبير الإبداع الحقيقي، الذي يستحق بأن يكون، ويبقى السؤال هل شعرت برغبة تلك الكتلة وهي تحاول الخروج منك؟ لاشك أننا وبين الحين والآخر نشعر بتقلص رغبتنا بالعطاء، فهو ما ينجم عن الضغط الذي يُحدثه الملل في أعماقنا؛ لاستمرار ذات المشهد، الذي يفرضه علينا، ويجعلنا نفتقد معه وبسببه إلى الكثير مما يمكن أن يُحملنا على التقدم بما يُعبر عنا، يمثلنا، ويعكس التجارب الحقيقية التي سبق لنا وأن اكتسبناها في حياتنا، وتحتاج منا جهداً حقيقياً يُساعدنا على الكشف عنها (لا) التستر عليها، وكأنها جريمة ستقع على رأس البشرية، ولاشك أننا نُهدد بقتل كل محاولة تطل برأسها حتى من قبل أن تفعل (لتتجنب فعل ذلك)، وكله فقط لأننا نشعر بأنها لن تفلح أبداً، ولكن الحقيقة التي يمكن أن تغيب عنا حينها، هي أن الإبداع مرحلة لا يمكن بلوغها إن لم تكن المحاولات جادة وكبيرة أيضاً، والمقصود لا يرتبط بحجمنا ولكن بحجم الإيمان الذي يسكن الأعماق ويحفزنا؛ كي نُقدم المزيد، ونتقدم به، حتى وإن بدا صغيراً للآخرين، وهو ما لا يهم بتاتاً، فما يهم هو أن نشعر به نحن، وندرك تماماً ما يعنيه لنا ذاك الذي تقدمنا به. إن غياب أي فرد منا عن ساحة الإنجازات، لا يعني توقف حياته؛ لينتهي كل شيء من بعد ذلك، ولكنه ما يترجم حاجته؛ للبحث عن ذاته، والتعرف على ما يملكه أصلاً قبل أن يتقدم بالمزيد مما سيُعبر عنه لاحقاً؛ لذا فإن شعرت بفتور يغلب قريباً لك ويجبره على الغياب، ورغبت بمساعدته على تنفيذ تلك المهمة، فحاول الا تكون له كعقبة تقف من أمامه كل الوقت؛ لتحرمه من التعرف على ذاته ظناً منك بأنك تساعده في حين أنك لا تفعل، فكل ما سيكون منك حينها هو تحميله على توسيع دائرة همومه، وهو ما لا يُبشر بخير أبداً، وسينتهي بما لن يُسعد القلب، الذي يحتاج لكل ما يمكن أن يُنعشه فيعيش أكثر لا العكس وتحديداً مع تلك الضغوطات، التي يحتاج إلى التخلص منها؛ كي يعود من جديد إلى ساحة الإنجازات. إن التجربة التي يعيشها كل من يخوض مرحلة البحث عن ذاته بعيداً عن عالم الإنجازات قاسية جداً، وما يزيد من قسوتها هو أن تتفق قسوة الظروف مع قسوة الأفراد، الذين يسهمون وبشكل غير مباشر بعملية تحطيم من قد يتوقف ولبرهة؛ بحثاً عن ذاته، التي ستقدمه ومن جديد بأحلى حُلة ستضعه تحت الأضواء، وهو ما يجدر أن يكون ولكنه يحتاج منا إلى صبر وحكمة ومن قبل كل ذلك الكثير من الحذر بعملية انتقاء الطرف الذي يمكن أن نكشف له عن خطوتنا التالية؛ ليكون لنا سنداً يقدم النصيحة فنأخذ بها إن كانت ستخدمنا وبشكل أفضل بكثير؛ لأننا وإن لم نوفق فإن حجم التعاسة سيكبر أكثر مع تقلص إمكانية تحقيق ما نريده لنا وتريده لك. من القلب لا عيب في أن نشعر بغياب قدرتنا على الإبداع وابتكار أي جديد يمكن أن نخرج به إلى العالم، ولكن العيب كل العيب هو ما يكون منا حين ندرك تلك المصيبة ونتقبلها كما هي، دون أن نسعى وبكامل قوتنا أو بعضها على الأقل إلى شحن الطاقة، وتعزيز القوة، والعودة ومن جديد إلى ما كنا عليه فهو ما يجدر بأن يكون منا، ويمكن أن يكون لنا إن طالبنا بالمزيد؛ لأنه وإن تحقق فلاشك أن ما سيخرج بعدها سيكون الأفضل وبإذن الله تعالى. وأخيراً: كل عام وأمة محمد صلى الله عليه وسلم بألف خير، وكلل الله هذا العام بإنجازات عظيمة تُحسب للبشرية.