12 سبتمبر 2025
تسجيليذهب السوريون إلى جنيف ليلعبوا لعبة جديدة، هذه حال الصراعات التي لا تُحسم، شطرنج الموت الذي قارب يومه الألف أفضى إلى قواعد جديدة، فالرقعة الممتدة إلى 185000 كم مربع كما تقول كتب الجغرافيا لم تعد كافية، بل فاضت عن حواشي اللعبة ذات اليمين وذات اليسار بيادق وأحصنة، ولم تسلم من مناوشات خارج الرقعة، بل إن بيادق إضافية حمراء وصفراء وزرقاء زادت حجر اللعبة وزادت هشيم النار. في ألف يوم تبادل الفريقان: "كش ملك" وحالت دون ذلك قلاعٌ وأحصنة وحتى وزراء. شطرنج الموت العجيب برقعة مختلفة ولاعبين مختلفين وقطع مختلفة، في الشطرنج السوري 23 مليون مربع لبيادق ملوّنة ليس هناك من يلقيها خارج الرقعة، على الرقعة ذاتها تتفسّخ البيادق، وعلى الشطرنج السوري ثمة ملايين البيوت قلاع الأمس، ثمة آلاف الدبابات أحصنة الموت المجاني. وفي الشطرنج السوري يمكن لربطة خبز أن تتقدّم وتقول لحارة كاملة: "كش حارة"، يمكن لفيل حديث أن ينفث "سكود" في وجه مدينة على بعد 1000 كم ويقول: "كش مدينة"، في الشطرنج السوري بإمكانك أن "تكشّ" كل شيء؛ ذبابة معدنية "تكشّ" فلاحة عجوزاً، طفل يحمل بندقية "يكشّ" رجالاً بشوارب تقف عليها الصقور. "الكشكشة" داء سوري قديم، من أيام السلام البعيدة، وهواء اقتناء الحمام. الآن ثمة حمامات سوداء "تكشّ" دافعي الضرائب، وتمضي. البيوت التي تسقط في اللعبة تتكوّم في مكانها، سقى الله أيام الشطرنج النظيف، وفي الشطرنج الجديد يمكن للمتفرجين أن يدخلوا اللعبة؛ يشوطون بيدقاً، يطاردون حصاناً، ينفضون الرقعة، يرمون الحطب فوق النار الذاوية. يمكن لهم أن يهتفوا مشجّعين "قرّبت" أو "خلصت". لهم أن يراهنوا على الأبيض الكليل، أو الأسود المتهالك. أبحث فيما انتُحِل على امرئ القيس عن شطرنج الفتى العابث، يبحث عن قبلةٍ كلما ترادفت خيله، وانهزم ملكه، أبحث عن ابن عمّار الأندلسي الذي أنقذ مملكته من بطش ألفونسو بمباراة شطرنج، أبحث عن الحجارة التي حيّرت المأمون مثلاً، لم يكن المأمون في حاجة إلى كلّ هذا الدّم ليكشّ أخاه الأمين، أو ولي عهده التالي علي الرضا. فاللاعبون السابقون لا تترادف خيولهم، ولا تتناثر حجارتهم عبثاً دون طائل، ونحن في ألف يوم ننقل الحجارة عبثاً، ولو أنها لعبة مبارزة لكان ذلك أسهل، مباراة عادلة بين فارسين، في ميدان، في صالة، في اتجاه معاكس، في مناظرة عامّة. لا بأس، نحن نرضى بضربات جزاء، خمسة من المجلس الوطني، وخمسة من النظام، من يحرس المرمى، من صاحب التسديدة الأولى؟ لا شكّ أن الشطرنج لعبة الأذكى والأكثر صبراً، وها قد وصلنا جنيف، نتدبّر أمر كل نقلة، وننظر إلى الرقعة الفسيحة، والبيادق المتفسخة، والبيوت المهدّمة، نقلة بنقلة، نقلتين بنقلتين، ولكن من قال إن السوريين سيلعبون إن كانوا هم حجارة اللعبة.