10 سبتمبر 2025

تسجيل

من لحظات الإدراك

05 سبتمبر 2023

جميلٌ أن نعي أن التأمل في الحياة والتفكر في سننها وديدنها يدفعنا نحو البُعد عن النمطية في الفكر، أو سرعة إصدار الأحكام التي تُصنفها وربما تغفل عن التدرجات الطبيعية التي طالما كانت موجودة فيها أساساً. فما أسهل أن يتبرمج عقل المرء على قوالب نمطية جاهزة للحكم على الحياة والناس، وهو دون أن يعي ربما إنما يُحد من قدراته، ويسجن ذاته، ويحول دون توسعه في الحياة والاستمتاع بكافة أطيافها كما خُلقت وكما ينبغي لها أن تكون. ومع النضج (العقلي والنفسي) يكتشف الإنسان زوايا جديدة ماتعة للنظر إلى الحياة بشمولية أكبر، وجمالية أوسع، وأبعاد أعمق. فمن النضج مثلاً أن تُدرك أن وجود السطحيين والسخفاء مُحبي التوافه هو وجود ضرورة لا فضول. فالحياة لا تستقيم بدون مقدار العدل الذي يتزن بوجود القطبين النقيضين من كل شيء!. كما أن وجودهما ضروري للتمييز وتفعيل حق الاختيار، فبضدها تُعرف الأشياء، فلا عمق ولا نضج ولا حكمة تُدرك إلا بوجود التفاهة والسخافة!. والأجمل من ذاك الإدراك أن نفهم أننا نعي أحوالنا بعين أنفسنا، ولعل للآخر رأي آخر!. فلعل الحكيم في عين التافه مجرد سخيف أو مجنون يهذي بكلام غامض! ولعل العميق في عين السطحي مُجرد مُعقد قد حمل الأمور أكثر مما تحتمل! والأروع من ذلك كله أن تُسقط الأحكام وتُزال الحواجز ويتسع العقل والقلب لاحتواء الأضداد التي آن لنا كذلك أن نعلم أنها موجودة في جنبات الإنسان نفسه، فهو كون كامل وحياة تامة هو ذاته يجمع بداخله الأضداد كلها، وجميعها لها حق الوجود والظهور والممارسة، وأنه لا حدود يُبنى عليها الرفض والإقصاء إلا ما حددناه نحن، وأن كل كبت لطبائعنا يمنعنا من الاتساع، ويحد في المقابل من تفهمنا طبائع الآخرين، وتقبلنا لاختلافهم. لحظة إدراك: كثرة إطلاق الأحكام قد تُدخل المرء في متاهات الرفض للمغاير، سواء كان هذا داخل جنبات الإنسان نفسه أو خارجه، وتُبعده عن مفاهيم الرحمة والتفهم والتقبل والاتساع لقبول ما يخالفه من الطبائع، وتنأى به عن التلذذ بالأوجه الأخرى للحياة.