14 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أن الكتابة في سعيها الدائم للتميز، لدى معظم من يكتبون القصة أو الرواية خصيصا، قد ظهرت للقارئ المتابع بأساليب شتى، وتلك الأساليب تتبع مدارس راسخة، أو تتمرد عليها بما هو جديد، ويوجد كتاب كثيرون لا يزالون يتمسكون بالبساطة البعيدة تماما عن التعقيد اللغوي والفني، بينما آخرون يفضلون التعقيد، وهكذا يجد القارئ المتورط في قراءة النصوص ما يعجبه أو ما يشعره بالملل، ليترك ما يقرأه باحثا عما يلائمه أكثر. إنها أشبه بسوق يعرض كل السلع، ولا يجبر أحدا على شراء سلعة رغم إرادته. وتجد أن جميع السلع باختلاف خاماتها وماركاتها مطروقة ربما بالقدر نفسه أو بنسب متفاوتة. وفي مرور سريع على مواقع القراءة أو أنديتها التي تعرض آراء القراء في الكتب تجد ذلك التباين في الآراء موجودا، تجد الأسلوب المعين للكاتب قد وضع في سكة المقارنة، وتوافدت الآراء للإشادة به أو ذمه واعتباره لا يرقى للمستوى، وحتى لو كان ذلك الأسلوب سلسا وجميلا، لا يمنع تلك المقارنة.لقد قرأت مرة رأيا لقارئ عن رواية الحب في زمن الكوليرا للعملاق ماركيز، والتي أعتبرها واحدة من علامات الكتابة الكبرى لما احتوته من زخم شعري، وشخصيات مرسومة بدقة، وأصوات تتداخل وتفترق، وحيوات متمددة لشخصيات تعيش في الذهن ولا تبرحه، وشخصيا قرأتها أكثر من خمس مرات ولا أزال أقرأها كلما أحسست برغبة في تذوق طبق روائي نادر. كتب القارئ: رواية رديئة، ولا ترقى للمستوى، لم أتفاعل معها، ولم أحب أسلوبها.هل هذا يعني بالفعل أن الحب في زمن الكوليرا، بهذه المواصفات التي ذكرها القارئ؟ وهل يعني أن ماركيز كان مخطئا حين كتبها؟أبدا، هذا اختلاف التذوق بلا شك، الذي يتولد باختلاف الأسلوب من كاتب لكاتب، وكما قلت، هناك كتاب لا يزالون يكتبون بكلاسيكية قديمة، بالقدر نفسه يوجد قراء يعشقون النمط القديم، النمط الخطابي الذي يسمي الأشياء بمسمياتها، ويدير حوارات مطولة بين الشخوص على حساب السرد المبدع، وهذا القارئ قد يعجبه عمل لأرنست همينجواي، أو جوزف كونراد، وربما تفاعل مع عمل ذهني فلسفي من أعمال ميلان كونديرا، لكنه لم يحب السحرية أو الأسطورية، التي سيحبها آخرون غيره، ويرون أعمال ماركيز وغيره من كتاب الواقعية الأسطورية أعمالا عظيمة تستحق أن تقرأ دائما بلا ملل.لقد قلت مرارا، في مقالات أو حوارات، إن الكاتب غير مطالب إطلاقا بإرضاء القارئ، ولا يستطيع إرضاء كل القراء الموجودين في الدنيا، مهما اجتهد ومهما كتب، لذا عليه أن يكتب نصوصه بما يريحه شخصيا، وأن لا يهتم بالآراء سواء كانت سلبية أو إيجابية، لأن المبدع بوصفه كائنا حساسا، لا يخلو من بعض النرجسية صراحة، قد يحس بالمغص، والإحباط حين يقرأ رأيا مناهضا لإبداعه، ولسوء الحظ، فقد أتاحت تقنية الاتصالات الحديثة للقراء أن يكتبوا ما يشاؤون وأتاحت للمبدعين أن يطلعوا على ما كتب عنهم. ولو عدنا للوراء قليلا لتأكدنا أن الكتّاب العظام الذين سبقونا، لم يكونوا يعرفون ما يكتب عنهم، وظلوا يكتبون ما يرونه من دون مراقبة أو إحباط.