14 سبتمبر 2025

تسجيل

كيف يتم الصلح في النزاعات القضائية؟

05 أغسطس 2024

عند عرض نزاع بين طرفين متخاصمين، يأمل كل طرف من المحكمة أن تقضي له وفق ما ترتضيه مصلحته، معتقدا أنه في الحكم لصالحه تحقيق العدالة، لكن أحيانا لا يكون الحكم لمصلحة طرف على حساب الآخر تحقيقا لمبتغى أي منهما، بل قد يصبح الحكم الفاصل بينهما بداية لخصومة جديدة يمكن أن تكون موضوع دعوى قضائية أخرى، لذلك يكون في بعض الأحيان من مصلحة كلا الطرفين النزول عن بعض طلباتهما أمام القضاء، والوصول إلى حل وسط ينهي الخلاف القائم بمثابة صلح يضع حدا للدعوى القضائية المعروضة على أنظار المحكمة. والصلح في النزاعات القضائية جائز من الناحية القانونية ولا يوجد ما يمنعه إلا إذا استثنى القانون نزاعا معينا أو موضوعا من إمكانية التصالح بشأنه. والصلح مبدئيا هو بمثابة عقد بين الطرفين المتصالحين يخضع في أحكامه لقواعد الشريعة العامة الواردة ضمن القانون المدني، فقد عرفته المادة 573 من القانون المذكور بما معناه أنه عقد يحسم نزاعا قائما بين طرفين، أو يمنع قيام نزاع قد ينشأ بينهما مستقبلا، وذلك من خلال نزول كل منهما عن جزء من ادعائه لفائدة الطرف الآخر. والمقصود من ذلك أنه بموجب الصلح في نزاع قضائي تنتهي الدعوى القائمة ويتم وضع حد لآثارها القانونية سواء في الحاضر أو المستقبل، فإذا تصالح متخاصمان أمام القضاء مثلا على الدين موضوع الدعوى، وذلك بأن تنازل الدائن عن جزء من المبلغ والتزم المدين بالسداد على شكل أقساط دورية، ففي هذه الحالة يعتبر الدائن متنازلا عن الدعوى القائمة، ولا يحق له مستقبلا المطالبة بنفس موضوعها الذي تم التصالح بشأنه وفق آلية السداد الجديدة. وليتم اعتماد الصلح في النزاع المعروض على المحكمة، يجب أولا أن يكون الطرفان المتخاصمان كاملي الأهلية ولا يعانيان من أي عارض من عوارض الأهلية، وأن يكون لهما حق التصرف في الشيء المتصالح بشأنه، فلا يجوز مثلا أن تتنازل الزوجة أمام القضاء عن نفقات الأولاد في حين يجوز لها التنازل عن نفقتها الزوجية. والصلح لا يعتمد إلا إذا كان مكتوبا أو إذا أقر به الطرفان في محضر الجلسة، ولا يجوز في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو النظام العام، مثل الصلح بشأن فترة عدة المرأة المطلقة، فلا يجوز للطرفين التصالح بشأن تعديل مدتها بالزيادة أو النقصان، كما لا يجوز مثلا الصلح بين الأفراد بشأن الجرائم التي تمس أمن الدولة. ويجب التفرقة بين الصلح والتنازل، لأن كليهما مفهوم قانوني مختلف الآثار والأركان، فالتنازل يكون من طرف واحد عن حقه لفائدة طرف آخر، دون ضرورة الحصول على مقابل منه، في حين أن الصلح عقد كما ذكر سابقا، بالتالي يكون بمثابة اتفاق بين طرفين على تنازل كل منهما للآخر على جزء من مزاعمه.