11 سبتمبر 2025
تسجيلمن المواضيع القانونية المهمة التي ينظمها قانون الأسرة مسألة ثبوت النسب، الذي يعد حقاً جوهرياً لكل مولود يولد معلوم الأب والأم، إذ يصبح من الطبيعي إلحاق هذا الولد باسم والديه ونسبته إليهما طالما أنه ثمرة علاقة شرعية لا ريب يحوم حولها، وإذا كان إلحاق نسب الولد بأمه لا يثير أي إشكال، طالما أن الطبيعة الإنسانية تفترض أن ولادة المرأة لابنها لا يتصور إثارة شكوك بشأن نسبها فإنه على العكس من ذلك قد تثار إشكالات وعوائق تمنع من إلحاق الولد بنسب الأب، وهو ما يستلزم إعمال قواعد ثبوت النسب الواردة ضمن النصوص الشرعية الإسلامية، وضمن مواد قانون الأسرة. لقد نظم قانون الأسرة قواعد ثبوت النسب ضمن المواد من 89 إلى 95 وجعل أسباب لحوق نسب الولد إلى والده بالفراش أو الإقرار أو الشهادة، وهي الأسباب التي تجمع القوانين المقارنة ذات مرجعية إسلامية على اشتراطها، وهي الأسباب التي يقرها جموع الفقه الإسلامي. يقصد بثبوت النسب بالفراش الشرعي هو العقد على الزوجة والدخول بها دخولا صحيحا أثمر عن إنجاب ولد، ويشترط في هذه الحالة أن يكون التلاقي بين الزوجين ممكنا، بمعنى أنه لا يجوز مثلا إلحاق النسب للفراش إذا كان الزوجان لا يعيشان في نفس البيت أو نفس البلاد بحكم ظروفهما الخاصة، كما يشترط أيضا أن يكون الزواج قد مضى عليه أقل مدة للولادة وهي ستة أشهر، أما إذا كان الولد قد تم إنجابه بعد مضي الزواج بأقل من هذه المدة فإنه لا يجوز إلحاق نسبه للفراش، كما يتم ثبوت النسب بالفراش في حالة الفرقة بين الزوجين إذا مضى عليها أطول مدة للحمل وهي سنة حسب الثابت من المادة 87 من قانون الأسرة. وليس بالضرورة لإثبات النسب بالفراش أن يكون الزواج صحيحا، فقد يكون الزواج فاسدا أو وطء ويلحق الجنين بنسب والده. ويثبت النسب كذلك بالإقرار، ويقصد به توكيد واقعة لحوق النسب دون إنكارها، ويشترط لصحة ثبوت النسب بالإقرار أن يكون من يقر بالنسب يلحق تلك الواقعة بنفسه وليس بغيره، وأن يكون الولد المراد إلحاقه مجهول النسب، بحيث لا يجوز إقرار نسب من هو معلوم الأب والأم، كما يشترط أن يكون الولد المراد إثبات نسبه بالإقرار موافقا على ذلك، إذ إن رفضه لا يجيز إقرار نسبه، ويشترط كذلك أن يكون المقر عاقلا ولا يعاني أي عارض من عوارض الأهلية، بالإضافة إلى ضرورة قيام البينة على كون فارق السن بين المقر بالنسب والمقر له يسمح بذلك، فلا يجوز مثلا الإقرار بنسب رجل لآخر وفارق السن بينهما لا يتجاوز تسع سنوات، لأن فارق السن في هذه الحالة قرينة على عدم صحة الإقرار. والسبب الثالث لثبوت النسب في قانون الأسرة، هو الشهادة، بحيث يجيز القانون ثبوت النسب بين الآباء والأبناء إذا قامت شهادة مؤيدة لواقعة الاتصال والتلاقي بين رجل وامرأة، مشفوعة ببيان الزمان والقرائن، بحيث يمكن بالاستناد إليها إلحاق النسب للشخص، وقد اشترط القانون لإعمال الشهادة سببا وجيها لثبوت النسب أن تصدر تلك الشهادة عن رجلين اثنين، أو رجل وامرأة، كما أقر بثبوت الولادة وتعيين المولود بشهادة الواحد العدل المسلم ذكرا أو أنثى. وتعتبر شهادة التسامع أيضا سببا لإثبات النسب، إذ يجوز بمجرد نقل الشهادة بسماعها عن طريق انتقالها من شخص لآخر، شريطة استيفائها لمتطلبات الأمانة في النقل لغاية وصولها لآخر شاهد.