11 سبتمبر 2025

تسجيل

معلّقات الحرب

05 أغسطس 2015

في سؤال الأدب، يقف الناظر إلى جذوة البدايات، بمشهدية كثيفة ظلّت كلّ هذه السنين مستأثرة بذاكرة الأدب، تلك الفترة الموسومة بالعصر الجاهلي، التي وصلتنا منها القصيدة التي تمثّلت روح الجماعة (القبيلة) في رحلتها بين ثنائية (الواتر والموتور) التي وقفت على حدّيها كلّ قبيلة، وكانت الحروب الصغيرة، أشبه بمباريات الكرة، فيها فوز وخسارة ولاعبون أفذاذ، ومن العجب أنّ معظم المعلقات السبع أو العشر قد قامت على أكتاف الحروب الأهلية. فحرب البسوس التي استغرقت أربعين سنة بين قبيلتي بكر وتغلب، حضرت في معلّقتي الحارث بن حلّزة وعمرو بن كلثوم، غير عشرات القصائد التي قالها الحارث بن عباد والزير سالم أبو ليلى المهلهل. والحرب الثانية في شهرتها حرب داحس والغبراء التي نشبت بين عبس وذبيان، شغلت قصيدة زهير بن أبي سلمى الذي مجّد السلام والصلح، وأتى على نتائج الحروب المدمّرة، في حين تغنّى عنترة العبسي في معلقته ببطولاته في تلك الحرب، ورغم أن النابغة الذبياني لم يأتِ على ذكر الحرب في معلّقته إلا أنها حضرت في بعض قصائده، كما أنّ معلّقتي عبيدة بن الأبرص وامرئ القيس لا تغفلان أثر مقتل ملك كندة حجر بن الحارث أبي امرئ القيس على يد بني أسد قبيلة عبيد. ولا تغادر معلقات الأعشى وطرفة ولبيد هذا المناخ الذي اشتجرت فيه الرماح، بين قبائل تواشجت بينها الأرحام، ولكنها الحرب الناشبة بين الدم والدمع. في صياغة مشهد الحروب المدمّرة التي أودت بالربيع العربي مبكّراً، ثمة أرض خصبة لإبداع متنوّع نرى بوادره هنا وهناك، وإن كنّا نظنّ أنّ الأدب في حاجة إلى وقت طويل لتمثّل الآثار العميقة والعنيفة لمشهديات الدم والدمار. تحتاج إلى رفّ كامل من الروايات والدواوين وأعمال درامية، تملأ ساعات بث لمحطات البث. الحرب التي غافلت الجميع في توقيتها وأهدافها، ستتعب حتماً، وترجو الجميع فرصة للهرب خلف المسرح، سيأتي هرم بن سنان ويأتي الحارث بن عوف، سيأتي دور السلام لكتابة نصّ عظيم انكتب بحياة الشعوب، وسيأتي زهير بن أبي سلمى شاعراً أو روائياً أو مخرجاً سينمائياً، ليروي عن الحرب التي علمناها وذقناها.