12 سبتمبر 2025
تسجيلفي هذا الخضَمّ؛ لا تركض في مستقبلٍ يدبّره الله، ولا تقم في ماضٍ ليس لك منه إلاّ التفاتة العابر. في هذا الخضمّ تذكر قول الشاعر:" إذا اشتبهت دموعٌ في خدودٍ/ تبيّن من بكى ممّن تباكى"، فالرثاء خبز العرب وملحهم، وقد يخدعونك برثاء مغشوش، الرثاء الحقيقي حين تفرغ من دفن موتاك، ويواسيك الهواء بأصوات الراحلين وقد خبّأها لك، والرثاء حين تفرغ من رقصتك العامرة رغم العازف والناي والشرطة التي قطعت الكهرباء عن الحفل، والأقرباء الذين لم يحضروا، والحاضرون الذين غيّروا الإيقاع، الرثاء أن تكمل الغناء ثم تبكي على كتف جدار من طين. في هذا الخضمّ، بالكثير من الشهداء يكفي أن تذرف دمعة واحدة وأنت تتابع الأخبار وتتصل بصديق بعيد، وتقهقه عالياً لتؤكد له أنك بخير، يكفي أن تكفّ حواسّك عن الألم، يقول الشاعر الجاهلي إن الجبل العالي يردّ الطرف، وفي هذا الخضمّ عدّ أحلامك قبل النوم، و أطلقها في مراعي الظهيرة، لا تقلق إن عادت متأخرة، فستعود يوماً وعلى كتفيها طفل، أو في يدها كيس الفاكهة، وفي هذا الخضمّ خذ حصتك من الحزن، خذ نصيبك من الذكريات ولا تطفّف في الكيل، وعد في آخر الليل إلى أحلامك، تأكّد أنها لم تنقص، وتأكد من أنك غطيتها جيداً، فالأحلام لا تحتمل البرد، الأحلام البردانة تعطس في وجه المستقبل، و تترك فراشها للذكريات المتربّصة.وفي هذا الخضمّ لا تبحث عن جبلٍ يعصمك وحدك عن الماء، ليس لأنّي مثاليّ، ولكن لأنك ستتمنّى –وأنت وحدك-أن تكون في مركب الهالكين، لا تخف من التاريخ لأن الذين سيكتبونه لن يكونوا منصفين على أيّ حال، ولا تغمض عينيك عن مكائد الرياح والجغرافيا، ثمة من يغتنمّ الهبوب، وثمة من يطلق الذئاب النزقة في الحكايات.وفي هذا الخضمّ لا تقضم تفاحة الحرب، ولا تشرب فنجان الموتور، ثمة موت كثير سيأتي، ثمة قصيدة وحيدة ستنتحب بين يديّ هذه الحرب التي لن ينتصر أحد، الجميع خاسر، ولكن ثمة خاسرون نُبلاء، وخاسرون سفلة، ابحث في هذا الخضمّ عمّن تعثّر بالحرب فانتصر لروحه، وعمّن ابتلته الحرب فظلّ مرابطاً على (دين الحبّ أنّى توجهت ركائبه).. فهذا الفالق العظيم لن يلتمّ إلاّ بالمحبّة.