06 أكتوبر 2025
تسجيليتجه الاقتصاد القطري نحو تثبيت الأهمية النسبية للقطاعات غير النفطية من جهة ومكانة القطاع الخاص من جهة أخرى لأسباب تشمل الاستثمارات المرتبطة بفعاليات كأس العالم لكرة القدم في العام 2022. بل يأتي هذا التطور المرحب به تزامنا مع التوجه الرسمي لإعادة هندسة القطاع النفطي. ومن شأن تأييد الأنشطة الحيوية في القطاعات غير النفطية تعويض الاقتصاد القطري عن قرار تجميد تنفيذ المزيد من التطور للقطاع النفطي، خصوصا الغاز لفترة زمنية. وكانت السلطات القطرية قد قررت عدم تنفيذ مشاريع نفطية جديدة حتى العام 2015 بغية تقييم جدوى استمرار تعزيز الإنتاج، فضلا عن دراسة الاستخدام للغاز الطبيعي المستخرج من حقل الشمال. ويمكن تفهم هذا التوجه كوننا نعيش في عصر متغير بدليل ما يحدث في عالم التقنية. كما هناك حديث حول دخول موردين جدد في مجال تصدير الغاز الطبيعي المسال مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وهي من الدول المستوردة لهذه السلعة الإستراتيجية من قطر. يشار إلى أن قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم في الوقت الحاضر. تبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر في الوقت الحاضر 77 مليون طن سنويا. وكمثال على نجاح سياسة توسيع قاعدة الزبائن، فقد انضمت ماليزيا حديثا إلى قائمة الدول المستوردة للغاز الطبيعي المسال في منطقة جنوب شرق آسيا، منضمة بذلك إلى كل من سنغافورة وتايلند. عودة لموضوع المقال، فقد شكلت القطاعات غير النفطية قرابة 58 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي القطري في العام 2012 ما يعد دليلا ماديا على نجاح سياسات التنوع الاقتصادي بعيدا عن القطاع النفطي. فحتى الماضي القريب، كان القطاع النفطي هو المسيطر على مكونات الناتج المحلي الإجمالي بلا منازع وذلك في خضم مستوى مرتفع للأسعار والإنتاج. بل يتوقع تحسن الأهمية النسبية للقطاعات غير النفطية على خلفية الاستثمارات الضخمة المرتبطة بشكل رئيسي باستضافة كأس العالم لكرة القدم في 2022. حقيقة القول: تعتبر الأرقام المتعلقة بالاستثمارات ضخمة بالمقاييس الدولية فضلا عن المحلية. فحسب أحدث التقارير، يدور كلام حول استثمار قرابة 200 مليار دولار في غضون 10 سنوات على مشاريع حيوية في مجال البنية التحتية بما في ذلك تشييد مطار عصري، فضلا عن إنشاء مترو الدوحة إضافة إلى تطوير شبكة الطرق. وعليه، يتوقع حصول تغييرات جوهرية في خارطة الدوحة في السنوات القليلة القادمة مع اقتراب موعد كأس العالم. وللتدليل على وجود جدية في تنفيذ مشروع مترو الدوحة، ففي شهر يونيو الماضي تم منح كونسورتيوم يضم شركات إيطالية وكورية وقطرية على عقد تفوق قيمته 8 مليارات دولار لتنفيذ جانب من الخط الأحمر والذي سوف يربط بعدد من الإستادات الرياضية لكأس العالم. وتضاف لذلك النزعة الاستثمارية لدى القطاع الخاص القطري عبر الاستفادة من الفرص المتاحة في الاقتصاد المحلي. وربما تستفيد الشركات العاملة في قطر من ظاهرة عدم تعرضها لضغوط فعلية لتوظيف العمالة المحلية نظرا لغياب مشكلة البطالة في أوساط المواطنين ما يعد إنجازا. تزيد قيمة الاستثمارات المتوقعة من القطاعين الخاص والعام خارج القطاع النفطي على حاجز 100 مليار دولار في الفترة موضع الدراسة، أي حتى العام 2022. تشمل توجهات مستثمري القطاع الخاص ضخ أموال في العديد من القطاعات الحيوية بما في ذلك الضيافة. وقد تضاعف حجم الناتج المحلي الإجمالي القطري تقريبا في غضون السنوات الأربع الماضية على خلفية التطورات المتلاحقة في القطاع النفطي على وجه الخصوص. وربما حان الوقت لممارسة القطاعات غير النفطية دورها الطبيعي عبر الحفاظ على النمو والتميز الاقتصادي من خلال تنفيذ مشاريع متنوعة. وفي هذا الصدد يعتقد صندوق النقد الدولي وهو محق في ذلك بأن الاستثمارات المركزة في البنية التحتية سوف تحقق أهدافا تشمل تأصيل التنوع الاقتصادي ورفع مستوى مساهمة القطاع الخاص في الحياة التجارية. كما يرى الصندوق أن الفوائد تتعدى الشأن الاقتصادي المحلي إلى الصعيد الدولي من خلال تحويلات العمالة الأجنبية. فمشروع مترو الدوحة لوحده سوف يوفر 20 ألف فرصة عمل لحين الانتهاء منه في العام 2019. ومؤكدا، سوف تذهب غالبية فرص العمل هذه للعمالة الأجنبية. ولا غرابة، يتوقع حفاظ قطر على نسبة النمو المرتفعة للسكان لفترة زمنية على أقل تقدير. فاستنادا إلى مؤسسة ستاندارد أند بور المتخصصة في التقييم الائتماني والتي تتابع تطورات الاقتصاد القطري من خلال منحه الدرجات الائتمانية، سوف يبلغ النمو السكاني في حدود 6 في المائة سنويا لحين العام 2016. وطالما الحديث عن العمالة الأجنبية، يتميز الاقتصاد القطري بتوفير فرص العمل لعدد كبير من العمالة الوافدة من عشرات البلدان من العالم، خصوصا قارة آسيا مثل الهند. وتؤكد الإحصاءات المتوافرة، بأن العمالة الوافدة تمثل نحو 93 في المائة من حجم القوى العاملة في البلاد. ويمكن تفهم عمل نسبة كبيرة من العمالة المحلية في الدوائر الرسمية والمؤسسات التابعة للدولة. يعتقد بأن الأجانب يشكلون 87 في المائة على أقل تقدير من مجموع السكان الأمر الذي يضيف للتميز القطري من خلال الانفتاح على العالم. فضلا عن الجانب الاقتصادي والوظيفي، يضيف الأجانب لموضوع التنوع الثقافي. وربما لا يشعر الكثير من الأجانب العاملين في قطر بأنهم يعيشون في غربة نظرا لتوافر الأمور الثقافية المرتبطة بأوطانهم مثل المطاعم. من جملة الأمور، يؤكد مستوى النمو السكاني بأن الاقتصاد القطري سوف يبقى مدعوما من متغير الاستهلاك وليس فقط الاستثمار. وفي المحصلة، يتوقع أن تساهم الأنشطة المرتبطة بكأس العالم في تحقيق تنوع في الاقتصاد المحلي، فضلا عن تعزيز دور القطاع الخاص وهي كلها من الأهداف الاقتصادية النبيلة.