15 سبتمبر 2025

تسجيل

أعلام وأفكار (3)

05 يوليو 2015

مر بنا أن ظاهرة التعصب للأفراد أو الجماعات خطر داهم يصيب الأمة الإسلامية في صلب بنيانها الفكري وينسحب هذا بصورة مباشرة على بنيانها الاجتماعي بل والخلقي كذلك ، وذكرنا أن التصدي لهذه الظاهرة لابد منه وذلك لعدة أسباب:أولا: التعصب لا يتولد منه إلا تراجع دعوي، وتشتيت للجهود المصروفة في نتائجه، وهدر للوقت المبذول فيه، لأنه يتولد عنه في الغالب الأعم رد فعل مساو أو ربما زائد عليه، ذلك أن العصبية لا تعرف منطق العقل المعتاد، بل عمادها الحماس المشتعل وليس الحق المضيء والتزام الداعية بالبعد عن التعصب يحفظ وقته من الهدر فيما لا ينفع، وهو في نفس الوقت ينم عن إخلاص الداعيه لله، وتجرده للحق، وهذا يعد مظهرا من مظاهرالاعتدال، ووسيلة للتحرر من العصبية المقيتة. والتقيّد بالدليل متى لاح له بادر بالانقياد له، وإن كان ذلك على خلاف المذهب الذى يعتنقه، أو قول الإمام الذى يعظمه، أو الطائفة التي ينتسب إليها.ثانيا: البعد عن التعصب يفتح المجال أمام الداعية إلى الحوار مع المخالف، ويجنبه شغل ساحته بما يضر ولا ينفع. فهناك رابط قوي بين الحرية الفكرية والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة -وهو ما يوجبه الإسلام- وبين التعصب للرأي الذى يحجب ما مضى من خير، ولقد فصل تلك المسألة الإمام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الماتع رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وقال بصيغة الجزم: ولا يجوز لأحد التعصب مهما كانت دواعيه.ثالثا: رد الخطأ بمثله مسلك دعوي مرفوض، فقد يتفهم الناس خطأ رجل عادي، لأنه في النهاية منسوب إلى شخصه، لكنه من الداعية يختلف، فيأخذ أكبر من حجمه نظرا لخطورة موقع الداعية، وفي سيرة "أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أسوة حسنة وذلك من خلال ما ذكره التاريخ من مواقف تذكر فتشكر ، ومنها : موقفه من الخوارج الذين قاتلوه واتهموه بأشنع ما يتهم به مسلم عادي، فكيف بعَلَم الأعلام، وفارس الإسلام، زوج البتول، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيف الحق المسلول؟ فقد أنكر عليهم باطلهم دون أن يقابل تهمتهم بمثلها، أو يكفرهم كما كفّروه، بل استبقاهم في دائرة الإسلام، إحساناً للظن بهم، وحملاً لحالهم على أحسن المحامل".وهذا الموقف من علي درس من الدروس العملية والتربوية والفكرية في آن واحد ، درس لأولائك الذي يستيقظون على تكفير الناس وتبديعهم ، وكأنهم أخذوا من الله صكا بذلك ، أو كانت له خصيصة أو ميزة تجعلهم فوق غيرهم من الناس ، وتوجب عليهم تلك الخصيصة إخراج الناس من دائرة الإسلام بل وربما غالى بعضهم فأوجب عليه النار .إن المتابع الدقيق يلحظ في الآونة الأخير اشتداد هذه الظاهرة بل وسهولة ذلك عند البعض ، يكفر الرجل أخاه وربما شيخه وربما جماعة من المسلمين بكلمة واحدة دون أن يتردد في قوله أو يستوثق مما في يده ، يقذف أحدهم تلك الطامة متناسيا أو متغافلا ما صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من خطورة هذا المسلك، فقد روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما). وروى البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك).