13 سبتمبر 2025
تسجيللقاء صاحب السمو في أبريل مع ترامب غيّر نظرة واشنطن للأزمة الخليجية استطاعت قطر كسر الحصار كنتيجة طبيعية لإستراتيجيتها المرنة والذكية الأثر الاقتصادي والمالي بدأ بالتلاشي منذ بدء الحصار الحصار كشف حب الشعب القطري لقائد مسيرته إستراتيجية قطر نجحت في تقويض قدرة دول الحصار على عزلها عالمياً قطر استطاعت تحويل الأزمة والحصار لتصبح أقوى مما كانت عليه بعد عام كامل من الحصار الجائر، وحملات التشويه والتزييف والضغط الإعلامي والدبلوماسي والأمني، تخرج قطر اليوم أقوى بحكامها ومحكوميها، إذ إنه منذ الساعات الأولى لمؤامرة الحصار ترقبت الدول المتآمرة أن تسلم قطر بالأمر الواقع، وترفع الراية البيضاء معلنة استسلامها، إلا أن الوقائع المُلاحظة بعد عام من الحصار تنسجم بوضوح مع المثل الشهير القائل "الضربة التي لا تضعفك تُقويك". لم تكن محبة الشعب القطري لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله أمرًا طارئًا سببه الأزمة، فلطالما كان ذلك الحب متأصلا في نفوس كل أفراد الشعب منذ توليه قيادة البلاد قبل أعوام، إلا أن الأزمة كشفت حجم ذلك الحب وأظهرته في أبهى صوره، وباتت صور سمو الأمير تُرى في كل مكان، في طول البلاد وعرضها، كاشفة عن التفاف شعبي واسع حول قيادته الحكيمة، دعمًا لقرارها، وثقة بجهودها المبذولة للتخفيف من تبعات هذه المؤامرة. استكمالا لجهوده في نقل الحقيقة، والتي بدأها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية منذ الأيام الأولى للحصار بجولاته المكوكية بين العواصم العربية والعالمية، فقد مثلت الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله للبيت الأبيض في أبريل 2018 ولقاؤه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تغيرًا ملحوظًا في نظرة واشنطن إلى الأزمة الخليجية. فقد مثّل ترحيبُ ترامب بالأمير المفدى دليلا على نجاح الجهود المكثفة التي بذلتها الدوحة لنقل الحقيقة إلى واشنطن، والتأكيد على أنها شريك أساسي في مكافحة الإرهاب، ذلك الإرهاب الذي لطالما بذلت دول الحصار جهودًا كبيرة في المتاجرة به بقصد تشويه سمعة شقيقتها قطر في الأوساط الدولية عمومًا والولايات المتحدة الأمريكية خصوصا إشباعًا لأحقادها وأهدافها التخريبية، إلا أن ترامب الذي يقدر مدى أهمية قطر في سياسات واشنطن في الشرق الأوسط ودورها في إحلال السِّلم، وصفَ سموّ الأمير تميم بأنه "الصديق العظيم" و"القائد المحبوب بين شعبه" مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستبيع قطر أنظمة متقدمة وصواريخ موجهة بالليزر بصفقة تبلغ قيمتها 300 مليون دولار. لم يقتصر تواصل قطر خلال الحصار مع الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإنما تعدتها لتوطيد علاقتها مع شركائها في آسيا وأوروبا وأفريقيا. حيث واصلت قطر ممارسة دورها الدولي بجهود كريمة قادها سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لتعميق علاقة قطر بدول العالم، وتجاوز بذلك العزلة السياسية التي حاولت دول الحصار وعلى رأسها الشقيقة الكبرى السعودية فرضها على قطر بعد تبنيها سياسة خارجية أكثر استقلالية في السنوات الماضية، فأثبتت قطر أنها أصبحت أقوى من ذي قبل في مجال علاقاتها الخارجية. وكنتيجة طبيعية للاستراتيجية المرنة والذكية التي تبنتها قيادة قطر في كسر الحصار، على عكس التشنج والفقاعات الإعلامية التي كانت بادية بوضوح على سياسة دول الحصار منذ بدء الأزمة وحتى يومنا الحالي، أكد مركز تحليلات دول الخليج في تقرير له أن "الدول الآسيوية ذات الاقتصادات النشطة والسريعة النمو مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية تولي أهمية قصوى للعلاقات مع قطر، باعتبارها من أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم"، وهو ما وضعها في مصافّ الدول ذات الأهمية الاقتصادية. وعملا بتعزيز التعاون مع الدول الآسيوية، قام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بجولة آسيوية شملت ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا، وأسهمت هذه الاستراتيجية في تقويض قدرة دول الحصار على عزل الدوحة عالميًا. كذلك سعى العملاق الآسيوي "الصين" إلى تحقيق التوازن في التجارة مع قطر، والاستفادة من رغبة الدوحة في تنويع مصادر الاقتصاد والأمن لديها، حيث عقدت قطر صفقات عسكرية وأمنية معها، فيما اتجهت لتأمين وارداتها الغذائية من دول عدة أهمها تركيا والهند، كما وسّعت علاقاتها مع إيران وسلطنة عمان والكويت وغيرها من دول العالم، وأثبتت نجاحها من خلال إعادة هيكلة خطوط استيراد الغذاء بسرعة كافية لتجنب تبعات الأزمة. وفي إطار تعميق علاقتها باليابان، أشار التقرير إلى أن "قطر جعلت نفسها بلدًا مهما بالنسبة إلى اليابان بطرق مختلفة، بدءًا من مسارعة القطريين لتشكيل صندوق الصداقة القطري في أعقاب كارثة فوكوشيما 2010 الشهيرة كنوع من الالتزام الأخلاقي المعروف عن الشعب والقيادة القطرية الكريمة، حيث ساهمت قطر بمبلغ 100 مليون دولار لمساعدة اليابان في التعامل مع المأساة". وفي الوقت نفسه، افتتح المسؤولون في الدوحة "مؤسسة قطر للعلوم" في مدينة سينداي، و"منتزه قطر الرياضي" في شيراكاوا، مشيرًا إلى أن قطر ظلت قادرة على الوفاء بالتزاماتها خلال الحصار من خلال الاستمرار في تصدير الغاز الطبيعي المُسال إلى اليابان وكوريا الجنوبية وجميع الأسواق الآسيوية الأخرى، مما أدى إلى إحباط هدف واضح من جانب دول الحصار. وأمّا عن العلاقة القطرية التركية، فقد أكد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية حمزة داغ أنها من أنجح النماذج الثنائية في المنطقة، خاصة في ظل وجود تنسيق عالٍ بين البلدين في كافة الملفات والتقارب الكبير في الرؤى ووجهات النظر. وأشار داغ إلى أنه "بالرغم من أن الوقوف التركي بجانب دولة قطر قد أزعج بعض الدول، إلا أن بلاده متمسكة بهذا الموقف، وعدم ترك قطر وحدها في الأزمة، سيما وأن تركيا تدرك أن الأزمة الخليجية والاتهامات الموجهة لقطر مصطنعة ولا أساس لها من الصحة". من الناحية الاقتصادية، وبالرغم من أن الأسابيع الأولى للحصار شهدت انسحابًا للودائع من البنوك القطرية، ورغم تباطؤ الواردات ترقبًا لما سيؤول إليه الحصار، ورغم تجميد الدول المحاصِرة للأموال والاستثمارات القطرية فيها، إلا أن الدوحة فتحت طرقًا تجارية جديدة، فأودعت أموالاً حكومية في بنوكها، وساعدت الشركات المحلية على تطوير إنتاج بعض السلع الأساسية. ووسط ترقب دول الحصار لنفاد ما تملكه قطر، بدأت البلاد بالتوجه نحو نشاط الاكتفاء الذاتي وتسريع الإنفاق على الاستعدادات اللازمة لاستضافة مونديال كأس العالم لكرة القدم عام 2022. لذلك أظهر تقرير خاص من صندوق النقد الدولي أن الأثر الاقتصادي والمالي المباشر على قطر جراء الحصار الجائر بدأ بالتلاشي بعد بدء الدوحة إجراءاتها لدعم التجارة والنقل والسياسة النقدية، موضحًا أن الدين العام القطري الذي يقدر بنحو 54 بالمائة نهاية العام 2017، ما زال في الحدود الآمنة، خاصة مع إمكانية اللجوء إلى احتياطات صندوق الدولة السيادي، وتزامن هذا مع تقديرات لوكالة موديز الاقتصادية بأن تحقق موازنة قطر فائضًا بقيمة 2.3 مليار ريال (631 مليون دولار) مقارنة بعجز قيمته 28.1 مليار ريال (7.7 مليار دولار) خلال العام الجاري مضيفة أن يصل الفائض المتوقع لـ 0.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لقطر. وفي نفس الإطار أعلنت مجموعة بنك قطر الوطني عن 3.4 مليار ريال كأرباح صافية خلال الربع الأول من 2018 بزيادة 7% عن العام الماضي، بالتوازي مع زيادة في الإنتاج في قطاع الصناعات الغذائية تجاوز 300 % خلال عام الحصار، بالتزامن مع إعلان شركة قطر للبترول نيتها طرح 49% من أسهمها في شركة ألومنيوم قطر للاكتتاب العام خلال الربع الأخير من العام الحالي. داخليًا، تضاعف عدد الشركات المسجلة في حاضنة قطر للمال لتصل إلى 120 شركة مقارنة بنصف العدد خلال العام الماضي، مع توقع وصولها إلى 507 شركات نهاية شهر مارس 2018، وهو ما يعني إفشال رهان دول الحصار على حصولها على أموال الشعب القطري. ولأن قطر تعرف كيف تستثمر الأزمات لتصبح أقوى، فقد وضعت غرفة قطر للتجارة اللمسات على أكبر مشروع زراعي سيحقق مخزونًا استراتيجيًا مستقبليًا لقطر، إضافة لاستخراج الطاقة المتجددة من إعادة تدوير النفايات، بالتوازي مع مشروع "مزرعة بلدنا" الضخم لإنتاج الثروة الحيوانية، والذي أُسِّسَ عام 2014 ومن المتوقع أن يحقق الاكتفاء الذاتي ويغطي احتياجات السوق المحلية من الحليب والأجبان والألبان أواخر هذا العام. إذًا عكست أزمة الحصار أهمية مقولة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله: "رب ضارة نافعة" لتترجم واقعًا جديدًا على الأرض، عبر إقامة العديد من مشروعات تطوير البنى التحتية والطرق التجارية، فكان ميناء "حمد" البحري كأحد أكبر الموانئ التجارية في المنطقة، بالإضافة لعشرات المشاريع المعنية بتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات الغذاء والصحة والبحث العلمي، التي توسعت لتصل مستويات أكبر رغم تضييق دول الحصار وشدته. حصار لم يُثنِ قطر التي طالما برهنت على مواقفها المبدئية والثابتة من قضايا الشعوب العربية وشعوب العالم الأخرى، وأجرت مصالحات وحوارات بين أطراف الصراع في عدد من البلدان العربية والعالمية، وواصلت مد أياديها البيضاء لدعم الشعوب المنكوبة، فأقامت مشاريع إغاثية لتحقيق هذا الهدف، إذ وقفت بجانب الشعب الفلسطيني في قضيته ليس على المستوى السياسي فحسب، بل نفذت في الآونة الأخيرة قرابة 115 مشروعًا في قطاع غزة ضمن برنامج إعادة الإعمار، بالإضافة لتقديم المساعدات المالية، وآخرها ما قيمته تسعة ملايين دولار، وصولًا لحملة إفطار مليون صائم في قطاع غزة مع حلول شهر رمضان الحالي. وقدمت نحو 70 مليون دولار لمشاريع الإغاثة والتنمية في دارفور، و135 مليون دولار لسكان مدينة الخرطوم بالسودان. كما واصلت دعم الشعب السوري وبذلت جهودها السياسية لإيجاد حلول عادلة لأزمته، وتدخلت في حل أزمات ومشاكل ليبيا والسودان ولبنان ودول أخرى، بناء على الواجب والرؤية السياسية والإنسانية لقيادتها وشعبها. وبذلك خيبت آمال دول الحصار التي ظنت أن إجراءاتها ستؤثر على مشاريع قطر الخيرية، لكن التقارير الأممية والمحلية كشفت خلاف ذلك، وأثبتت أن الحصار لم ينل من إرادة الخير في نفوس الشعب القطري الذي لم يحمل إلا الحب والصداقة للشعوب الأخرى. هكذا وبعد عام من حصار توقعت فيه الدول المحاصرة والحاقدة على الشعب القطري وقيادته الرشيدة أنها ستهز إرادة قطر المسالمة المستقلة، ممثلة بأميرها الحكيم الذي لطالما مدّ يده للسلام والتعاون، وشعبها الكريم الذي عُرفَ بحبه وعلاقته الطيبة مع الشعوب الأخرى، فإنه كان عامًا كاشفًا وفاضحًا للمحاصِرين، استطاعت خلاله قطر أن تخرج أكثر تعافيًا ولُحمة وقوة في مختلف المجالات، وخاصة في مجال العلاقات مع الدول والتنمية والأمن، ليكتبَ في ضوء كل ما سبق، قصّة التفاف الشعب حول قيادته، وتماسك أهالي قطر مع المقيمين والوافدين، ووفاء أبناء الوطن لنهج الشيخ مؤسس قطر الحديثة سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله، وهي مسيرة عام حافلة بالعطاء، وقصة صمود ستبقى محفورة في ذاكرة التاريخ.