15 سبتمبر 2025

تسجيل

ضوابط التكفير في ضوء الكتاب والسنة

05 يونيو 2012

تحدثنا في المقالين السابقين عن خطورة التكفير والمحاذير التي وضعها الإسلام حائلا بين المسلم وتكفير إخوانه، وفي هذا المقال نقف عند ضوابط التكفير وهي ثلاثة ضوابط: الضابط الأول: أن يقصد المعيَّنُ بكلامه الكفر: فليس كل من تكلم بالكفر يكفر، حتى تقوم عليه الحجة المثبتة لكفره، ويقصده ويعينه.. يقول شيخ الإسلام: "وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال: هي كفر.. ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر، حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه" فإذا عَنِي المسلم معنى "صحيحًا في حق الله تعالى، أو الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن خبيرًا بدلالة الألفاظ، فأطلق لفظًا يظنه دالا على ذلك المعنى، وكان دالا على غيره فلا يكفر، ومن كفَّر مثل هذا كان أحق بالكفر، فإنه مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد قال تعالى: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}. وهذه العبارة كانت مما يقصد اليهود إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ والمسلمون لم يقصدوا ذلك، فنهاهم الله تعالى عنها، ولم يكفرهم بها". فكلمة راعنا من المراعاة، أي: ارعنا سمعك، أي: فرِّغ سمعك لكل منا "وكانت هذه اللفظة سبًّا قبيحًا بلغة اليهود، قيل: كان معناها عندهم (اسمع لا سمعت) وقيل: هي من الرعونة، فكانوا إذا أرادوا إطلاق الحمق على أحد قالوا: (راعنا )؛ فنهى الله المسلمين من إطلاق هذه الكلمة، حتى لا يتخذها اليهود وسيلة لسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم جهارًا" فظهر من ذلك أن قول الكفر أو عمل الكفر وحده لا يكفر به صاحبه حتى يعلم أنه قاصد للقول عارف بالمعنى. الضابط الثاني: قيام حجة الوحي على المخالف؛ ودليل ذلك ما أخبر الله تعالى به من أنه لا يعذب أحدًا حتى تبلغه الحجة الرسالية (الوحي)، التي من خالفها وأصرَّ على مخالفتها كفر، قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. وقد أخبر تعالى عن استحقاق أهل النار مبينا أن مرده إلى التكذيب بعد قيام الحجة عليهم قال تعالى:{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}. وقد وضع العلماء ضابطا ثالثا وهو انتفاء الموانع. وهذا مما سنقف عليه في المقال القادم إن شاء الله.