18 أكتوبر 2025
تسجيلحب التغيير وحده، في مدينة شبه خامدة، ما جعل عازف الجيتار الكونغولي، الملقب بالإبرة، نجمًا في ذلك اليوم، وفي بلد لا تعرف الشيء الكثير عن النجوم. ما جعل تذاكر حفله تنفد ببساطة شديدة، وتنشأ عراكات وصراعات قبلية، ومشاكل بلا حصر وسوق سوداء، وكل ما يتبع حفلات النجوم من صخب وفوضى. منذ الصباح الباكر، بصحبة فتاته التي يتوكأ عليها، ومنظمي حفله الفرنكفونيين، كان روادي مونتي متوفرًا في أكثر الطرق حيوية، الطريق الذي يسلكه المزارعون وصيادو غابات الجوار، وعمال المنشآت الحيوية، وباعة السلع الاستهلاكية الجائلون، وأيضًا المتسولون، واليتامى الباحثون عن نظرات عطف، قلما يجدونها. منذ الصباح الباكر، تحسس الكونغولي عددًا من ملصقات الدعاية التي تحمل وجهه مشوهًا، وملابسه رخيصة قذرة، سأل صاحبته: - هل أطالوا الأذنين، وقصوا الشعر، وغيروا ملابسي، الزرقاء الجميلة، وجعلوني مبصرًا بعينين كبيرتين يا دارينا؟ قالت: نعم. فابتسم واحدة من أعرض ابتساماته، والتي لا يبتسمها عادة إلا حين يكون الفرح قد هيج غدته الدرقية، وأفرزت هرمونًا نقيًا. وكان روادي من المراجعين الدائمين لأطباء الغدد الصماء في بلاده، بسبب تطرفه في الفرح والحزن. ردد باللغة السواحلية، وهو يعترض طريق قافلة من الحمير، تحمل عددًا من معلمي المدرسة الابتدائية المحليين، ذاهبين إلى عملهم:- الآن أعرف أن لي جمهورًا.كانت فلسفته التي قضى سنينًا حتى استطاع تأطيرها، واعتناقها بشغف، إن ما يتم تشويهه أو انتقاده، هو ذلك الذي يلفت النظر، ولو لم تلفت تلك الملصقات الدعائية أنظار الناس، لظل على حاله راكدًا في الشوارع، وبالتالي راكدًا في حفله. كان شبه متأكد، من أن وسط التشويه الذي حدث، هناك من استعد ليأتي ويطرب بعزفه المتفرد... نساء جميلات، شباب بشعور ممشطة ومدلكة جيدًا، أثرياء يحبون الإنفاق، سلاطين يملكون سلطات القبائل، ويحتاجون إلى مصاحبة نجم.أضاف، وهو يتفادى بمهارة، لسان حمار أراد أن يلعق أناقته:- آسف لاعتراضي طريقكم يا سادة.. هل تحبون الموسيقى؟- ومن الذي لا يحبها؟علق أحد المعلمين، هو نفسه الذي يركب على الحمار، صاحب اللسان اللاعق، وكان من سوء حظ روادي، أنه لن يحضر ذلك الحفل، لا هو ولا جميع ركاب القافلة، ذلك أن مرتبات معلمي المدرسة الابتدائية من الوطنيين، كانت في أفضل حالاتها، بالكاد تكفي ليعيش أحد، وأن الحفلات الموسيقية، وعروض الترفيه التي تغامر بالمجيء أحيانًا، تعد ترفًا لا يقدر على نفقاته سوى القليلين، تحدث المعلم أكثر مما ينبغي، وأكثر بكثير مما هو مطلوب، لتثبيط همة فنان زائر، وضح تلك النقطة الهامة في مشوار حياته، ونقاطًا أخرى عديدة، عممها على المدينة بشكل تام، وانتهت المحادثة المؤلمة ورأس روادي يدور بشدة، نظراته الهائمة تتحاوم حول وجوه المنظمين الذين لم يدفعوا له شيئًا حتى الآن.