12 ديسمبر 2025

تسجيل

والله لا أنساها

05 أبريل 2023

هناك الكثير من المواقف التي تمر بنا ولا ننساها ما حيينا لما كان لها من أثر طيب على نفوسنا، في وقت كنا بحاجة إلى كلمة طيبة تبعث الطمأنينة أو أن تكون بجانب أحدهم في أزمة ما يمر بها. إن المواقف لا تحتاج إلى شهادات أو نسب أو كثير من المال، إنما أصحاب نفوس نبيلة كبار، هذه المواقف لا تنسى وتكشف لك معادن الرجال كانوا أو نساء. ‏مواقف الجبر في لحظات الانكسار والضعف لا تُنسى والمقال يتضح بالمثال: لم ينس النبي عليه الصلاة والسلام موقف المطعم بن عدي حين أدخله في جواره يوم عودته من الطائف حزيناً أسيفاً فقال يوم أسر أسرى بدر: “لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لأجبته فيهم”. لا شك الآن وأنت تقرأ تظهر لك صورة شخص أو عدة أشخاص كانت لهم مواقف مشرفة لا تنساها أبدا ومحفوظة بالذاكرة، بل محفورة لا تزول، منها أيضا مواقف المواساة فيكون الإنسان فيها أضعف ما يمكن، ولكن يسخر الله لك من يقف بجانبك من حيث لا تحتسب، بل أكثر من ذلك قد تكون تراهم لأول مرة. جدير بالذكر أن أقدار الله كلها خير وإن أوجعتك، ولكن بطبيعة الحال فإنه بالحياة منعطفات إجبارية قد تتغير حياتك بعدها تماما وتتبدل فيها نظرتك للأمور إما سلبا أو إيجابا، على سبيل المثال: من لم يكن معك في تلك المحنة أو ذلك الفقد لا أعتقد أنك ستختاره رفيقا مخلصا لدربك. لا يقتصر الموضوع على نوع واحد من مواقف الجبر فقط إنما يتراوح في كثير من المواقف في التجارة في العمل والمرض، بل يصل حتى في حلمك على أحدهم عندما يخطئ بحقك. وهذا لا يعني أن الأمر محصور على الأفراد فقط، ولكن حتى في الزلزال الذي ضرب تركيا مؤخرا هناك الكثير من الأمثلة في التكاتف والتآزر، من مختلف الجنسيات وكان القاسم المشترك بينهم جميعا أنهم بلا ملجأ ولا مال. الإنسان مهما كان قويا ستظل حاجته لله أن يفرج كربته، ثم لمخلصين حوله يخففون عنه ويخافون عليه ويهتمون لأمره بصرف النظر إن كان على معرفة بهم أم لا ولكن الأكيد أن الله عز وجل يعرفهم. يقول الله عز وجل «وقولوا للناس حسنا»، الإحسان للخلق وجبر خاطرهم لا يتطلب منك الكثير، ولكن الأجر الذي تناله أكبر، ولا يقتصر الأمر على الكبار إنما حتى الصغار أن نجبر بخاطرهم ونناديهم بأحسن الأسماء وتعطي هذا الطفل أهميته وهذا ما يزيد في بناء ثقتهم بأنفسهم. هذه المواقف الكريمة تفتح لك سبل الخير وترمم الخواطر وتظل حاضرة، والله، لأجيال قادمة. فمن الممكن أن تنسى معروفا قدمته، ولكن لن تنسى أبدا من وقف بجانبك، من كان قريبا منك، من أنقذك من أذى كنت على وشك أن تقع به. وكما لم ينس الإمام أحمد أبا الهيثم فكان يدعو له في كل صلاة: “اللهم اغفر لأبي الهيثم … اللهم ارحم أبا الهيثم … قال ابن الإمام له: من يكون أبو الهيثم حتى تدعو له في كل صلاة، قال: رجل لما مُدت يدي إلى العقاب وأُخرجت للسياط إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي: تعرفني؟ قلـت: لا. قال أنا أبو الهيثم اللص، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضُربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين”. إن الأمر لا يحتاج إلى كثير من الجهد أو البذل إنما إلى همة في عمل المعروف بالكلمة الطيبة بأن الأمور ستصبح أفضل أو الدعاء بأن يجبر الله كسرهم أو ابتسامة تزيل كل التعب ولا نبخل على من نحب بتطييب خواطرهم. أخيرا، إن مواقف الجبر كثيرة، والضد بالضد يعرف ومواقف الخذلان لا تنسى أيضا، قد ينسى الإنسان الأيام الصعبة التي مرت عليه... ولكن لن ينسى أبدا من هونها عليه... كل هذا وبيني وبينكم.