14 سبتمبر 2025
تسجيل"أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً" عبارة صامدة ترفض بأن تصبح بالية، ولا تخجل من فكرة الكشف عن واقع أنها غير مبالية بما يفعله الزمن كلما جرها من خلفه في جولات عمرها من عمر (أعوامها)، التي لا ولن يُقلل الكشف عنها من شأنها بل أنه ما سيجعلها أكثر قوة، صلابة، وحكمة وذلك؛ لتشبثها بالحقيقة من جهة، ولنبذها فكرة التنصل منها من جهة أخرى، فهي تلك التي وعلى الرغم من أن التجاعيد قد غمرتها إلا أنها لم تتمكن من إخفائها؛ لأنها تدرك ومن الأعماق بأن إحداث التغيير الذي تتطلبه خطة تطوير الشعوب يعتمد في مرحلة من مراحله على المسرح، الذي يُعد كأداة تطويرية تحتاج إلى التطوير في سبيل تحقيق الغاية المرجوة منها، وبما أننا ومنذ أسبوع مضى كنا نحتفل باليوم العالمي للمسرح وسط فعاليات مسرحية -انطلقت في ذات اليوم وامتدت لأسبوع كامل تخللته الكثير من الأعمال المسرحية التي ناقشت قضايا مختلفة- فلاشك أننا سنتطرق (وبشكلٍ خاطف) إلى ذاك الأسبوع وما كان منه وفيه بحكم أنه الواجب الذي يجدر بنا الالتزام به، وعليه إليكم التالي: لقد تقدمت العروض التي قُدِمَت ببعض الأفكار التي تجوب عقل المجتمع وتقض مضجعه، فهي هموم متراكمة تنقض على الفرد، الذي يحاول الفرار منها بانشغاله بأمور أخرى تُلهيه وتأخذه بعيداً إلا أن المسرح يتطرق إليها بشكلٍ يجمع في صدره الوعي والذوق الفني؛ كي يجذبه وبكل الوسائل المُتاحة، التي تقوم بدورها على أكمل وجه، ولكنها لا تستطيع الفوز بذلك في كل مرة، وهو ما يحدث وعلى الدوام مع الأعمال المسرحية المُقدمة (للجمهور المتلقي)، الذي يحمل بطاقة رابحة تجعله المُستفيد الأول من أي عمل يُقدم له، خاصة وأن المسرح مرآة المجتمع التي تعكس كل ما يدور فيها؛ كي يُعكس على ظهر خشبة تُصغر الواقع؛ لتقدمه للمتلقي، الذي يجدر به محاولة إدراك ما يحدث من حوله، ومن ثم التفكير بـ (أنجع الحلول) التي يستطيع بها تغيير عالمه لشيء آخر أكثر جمالاً. لقد عمدت أغلب الأعمال المُشاركة في المهرجان إلى توجيه رسائل عديدة للجمهور المتلقي، الذي جمع بين صفوفه من قد فهمها، ومن حاول تفهمها، ومن اكتفى بمراقصة نظراته لكل الأحداث على الخشبة، وبمجرد انتهاء الرقصة عاد إلى وعيه، وقرر العودة إلى عالمه الذي يحتاج لصدمة كهربائية يفيق على أثرها، فيدرك حجم المأساة التي يعاني منها، وامتدت حتى بلغت عتبة (المسرح)؛ مستنجدة به؛ كي يُسلط الضوء عليها في تلك الفسحة اليتيمة التي يستعرض فيها بكل ما لديه، والنية المخفية هي النهوض بالمجتمع وكل من فيه، (لا) الاستعراض بنية الاستعراض فقط، كما مال البعض بالتركيز على تلك النقطة فحسب، حتى خرج من خرج من مساحة تلك الفسحة، واتجه بعيداً نحو أمور (لها أهميتها)، ولكن لا يجدر بنا التركيز عليها وعلى الملأ؛ لنبتعد بذلك عن أهمية المسرح، الذي يساهم وبشكلٍ جلي في التنمية الاجتماعية، وبصراحة فإن أكثر ما يستفزني من بعد كل ما قد ذكرته آنفاً هو أن المتلقي لا يدرك أن ما يقدمه المسرح وما يسعى إلى بثه هو من أجله ومن أجل إصلاحه كفرد يتوسط الجماعة، التي ستتأثر وسينصلح حالها كلما فتح الباب لعمليات الإصلاح وسمح لها بالدخول، ولكن وعلى ما يبدو أن تصديق ذلك مهمة صعبة لا يجرؤ عليها؛ لذا يميل إلى التفكير بالمسرح على أنه توجه ترفيهي لا يُقبل عليه سوى من يبحث عن الرفاهية الفكرية، والحق إنها لفكرة خطيرة تجثم على صدر الواقع، وستتبب له بالكثير من المتاعب، التي وُجد المسرح؛ كي يُبددها، غير أنه ما سيصعب عليه تنفيذه وحده ما لم يتكاتف الجميع من أجل بذل المساعدة التي تشترط تخلي كل فرد مُشارك (أياً كان دوره) عن مصالحه الشخصية، التي تقف كعقبة لن تسمح لتلك المهمة بأن تكون، ولن تسمح لنا برؤية الوجه الحقيقي للمسرح في كل مناسبة تسمح لنا بذلك.وماذا بعد؟لقد حصد مهرجان الدوحة المسرحي لهذا العام الكثير من الانتقادات، التي وإن صرفنا عليها كامل وقتنا؛ لانصرفنا بعيداً عن مهمة تحقيق (أهداف المسرح)، فاختلاف وجهات النظر وتفاوت الآراء حول ما قد قُدم هي أمور لا يجدر بنا الانشغال بها كثيراً؛ لأنها ستجذبنا إليها؛ كي ننغمس فيها دون أن نركز على ضرورة تنفيذ ما علينا من مهام، متى وافقنا على تجاهلها فسنعمد إلى خنق الإبداع وقتله؛ ليُكتب على الجمهور ومن بعد ذلك تذوق معنى اليتم، الذي سيُحرم معه من زيادة رقعة الوعي، والمتعة لديه، وهو كل ما سيعود بأثره عليه وإن كان ذلك على المدى البعيد، الذي نأمل بألا نبلغه وحال المسرح كما هو.وأخيراًعادة وحين أنتهي من أي عمل أبارك جهودي، وأحث نفسي على تقديم الأفضل في المرات القادمة، والحق أنه ما يُجدي معي ومع كل من يعتمد هذه الآلية في حياته؛ لذا يسرني بأن تُقَبِل كلماتي جبين المسرح وتمسح عليه على أمل أن تسوده السكينة ويهدأ باله حتى يخطط ومن جديد لجديد يجذبنا إليه، وحتى يكون لنا ذلك نسأل الله التوفيق للجميع (اللهم آمين)، ونتقدم بأصدق الأمنيات بدوام التألق لكل من قد تألق في هذه النسخة من المهرجان.