16 سبتمبر 2025

تسجيل

هل تمتلك قطعة من الحياة؟

05 أبريل 2012

يدرك البعض منا قيمة الحياة، ومعنى وجوده في هذه الدنيا، وكم يمكن أن يعمل ويترك فيها أثراً. ولكن الكثير يجهلون ذلك، ولايرون أن كل يوم وكل لحظة هي بمثابة الفرصة الممنوحة لنا كي ننجز ونحقق فيها آمالنا وأحلامنا، ولايدركون أن من حان موعد رحيله أو اقترب يتمنى بكل جوارحه لو يمنح فرصة أخرى مهما قصرت ليفعل فيها الكثير مما لم يفعله حين كانت الفرصة أمامه ولم يقتنصها.. وقد استطاع الروائي (غابريل ماركيز) أن يعبر عن هذا المعنى جلياً بعدما اكتشف إصابته بالمرض الخبيث وشعر بظلال الموت تزحف لتنهي حياته الحافلة، فكتب في موقعه على شبكة الانترنت رسالة موجهة إلى قرائه قال فيها: (آه لو منحني الله قطعة أخرى من الحياة! لاستمتعت بها — ولو كانت صغيرة — أكثر مما استمتعت بعمري السابق الطويل، ولنمت أقل، ولاستمتعت بأحلامي أكثر، ولغسلت الأزهار بدموعي، ولكتبت أحقادي كلها على قطع من الثلج، وانتظرت طلوع الشمس كي تذيبها، ولأحببت كل البشر، ولما تركت يوماً واحداً يمضي دون أن أبلغ الناس فيه أنني أحبهم، ولأقنعت كل رجل أنه المفضل عندي). كانت هذه نصيحة رجل وقف على حافة الموت، يتمنى أن يعود بقدميه للخلف كي يقتنص قطعة أخرى من الحياة، فهل ندرك هذا ونبصر بوضوح أن أمامنا قطعة من الحياة نستطيع أن نفعل فيها الكثير؟.. فلو نظرنا بمنظار هذا المريض الذي يودع الحياة راغماً، أو رأينا الحياة بعيون من أوشك على مفارقتها ثم عاد إليها، كذلك الرجل الذي التقيته ذات يوم فقال لي قصته حين سقطت طائرة كان على متنها فسقط في البحر ولكن الله كتب له الحياة بعد أن مات جميع ركابها، فسألته يومها عن شعوره فقال: والله انني منذ ذلك اليوم قد تغيرت حياتي تماما فقد أصبحت عابداً لله متفائلا جدا محبا لكل من حولي، ولاتفارق البسمة وجهي، أساعد كل من حولي، ولا أغضب أحداً من أهلي أو أصدقائي، لأنني أدركت حين أوشكت على الموت أن الحياة أثمن بكثير من أن نهدرها بالبعد عن الله تعالى وبالكره والخلافات، وعرفت حق المعرفة أنني لايمكن أن أموت وأترك هذه الحياة دون أن أضع بصمتي فيها، وأترك فيها أثراً كما قال أمير الشعراء: (كن رجلاً إذا أتوا من بعده يقولون مر.. وهذا الأثر) أقول لو نظرنا للدنيا بمنظار هؤلاء، أو فكرنا بما سوف نشعر به حين تحين لحظة الرحيل التي لابد أن نمر بها جميعاً مهما طال الوقت أو قصر، فلابد أن ندرك حينها أن الحياة أقصر من أن نقضيها في غفلة، وأهم من أن نتركها دون أن نترك فيها بصمتنا. ومضة: قال محمد علي كلاي: "من يرى العالم وهو في الخمسين من عمره مثلما كان يراه وهو في العشرين، فقد أضاع ثلاثين سنة من عمره".