27 أكتوبر 2025

تسجيل

هرمنا

05 مارس 2015

يتساءل المتتبعون للظواهر الاجتماعية عن المؤثر في الواقع الاجتماعي، ففي حين كان الشاعر قريباً من الناس وقبل أن تدركه أوهام النخبة، فيصعد برج الحداثة العاجي وحيداً، وترك الناس وهمومهم للتيارات السياسية، والاجتماعية، قبل أن يدخل عصر الصورة ويؤثر في ثقافة الشارع، كمعلم جديد. وقد قارنت عبارتين على اختلاف مصدريهما، ذهبتا أثراً في الشارع، ترددتا ملايين المرّات. الأولى، جاءت في قصيدة الشاعر الراحل نزار قباني "المهرولون" في توقيت مناسب، لينفث فيه الشاعر هموم مرحلة، سجلت تراجعاً عربياً واضحاً في السيادة الرمزية التي تحققت أيام الستينيات، وترجمت في الانتصار النوعي الذي حققه العرب مجتمعين في حرب 1973 مع العدو، فأطلق نزار غضبته (المهرولون) وما لبث صدى القصيدة أن انتشر في الشارع السياسي والثقافي، وأعيد الاعتبار لمفردة (هرول) كأنها غادرت مادة التربية الرياضية، إلى الناس، حتى أنّ السياسيين استخدموها في اجتماعاتهم، فقد خاطب رئيس وفد دبلوماسي عربي رفيع زميله من دولة أخرى متهماً دولته بـ(الهرولة)، فأجابه لقد (هرولنا) لنلحق بكم.الثانية، جاءت في أوّل الربيع العربي عام 2010 على لسان التونسي أحمد الحفناوي وهي "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" وما لبثت أيضاً أن دارت على كلّ لسان. واستخدمت في جمل مفيدة في عناوين صحفية سياسية واجتماعية وحتى رياضية. لم يكن الحفناوي شاعراً، ولم تكن قصيدة نزار (المهرولون) من أفضل قصائده، فما الذي جعل مفردتي هرول وهرم تملآن نشرات الأخبار، وأحاديث الشارع، هل هو التعبير المباشر عن حال الشارع، أم التكرار الكثير في قنوات الإعلام؟ فالصحف العربية أواخر التسعينيات ساهمت في نشر (المهرولون) وقناة الجزيرة التي كانت تبث شريط (هرمنا) في ثنايا بثها اليومي العديد من المرّات. هل عصر الميديا التي تؤسّس لثقافة المجتمع، فما الذي يجعل (المهرولون) تتفوق على نصوص لا تقل عنها جودة لشعراء آخرين، وما الذي يميز عبارة حفني عن عبارة أخرى صرخ بها ثائر يمني أو مصري أو ليبي أو سوري، لم يتزامن تعبيره مع مرور الكاميرا.