12 سبتمبر 2025

تسجيل

خامات الكتابة

05 مارس 2013

‫كان إمام مغنيا يملك صوتا ممتلئا بعناصر الطرب كلها، وكان يعمل نجارا في ‫ورشة صغيرة، يملكها في أحد الأحياء البعيدة. كان يدق مسمارا أو مسمارين في الصباح على طاولة أو كرسي، أو خزانة، وينفق باقي اليوم في تلحين القصائد التي تناثرت داخل الورشة. وكان مألوفا جدا أن ترى عددا من زبائنه، يسألون بغضب عن أغراضهم التي مضى عليها زمن طويل وما زالت مجرد خشب. في أحد الأيام زرته في ورشته، أعطيته قصيدة كتبتها لفتاة جميلة وأرادت أن تسمعها مغناة، فطلب مني أن أحضر شايا من مقهى قريب وأعود، وحين عدت بعد عدة دقائق، كان يسمعني قصيدتي ملحنة بصورة لم أصدقها، وفي يوم آخر زودته بخامات الخشب، وطلبت منه طاولة جديدة لعيادتي التي سأفتتحها قريبا، فلم أستلم تلك الطاولة قط. 2 ‫كان الصديق في ذلك الوقت، في الأربعين تقريبا، نحيلا وأسمر البشرة، يرتدي بنطلونا أزرق وقميصا أبيض باستمرار، يضع منديلا أحمر حول عنقه، وعلى عينيه نظارة طبية سميكة من ذلك النوع الذي يطلق عليه (قعر الكوب)، كان خياطا، يجلس على ماكينته من طلوع الشمس إلى غروبها، يأتيه طبق الفول بالجبنة، يلتهمه وهو منهمك، يأتيه كوب الشاي الأحمر الداكن، يتجرعه وهو منهمك، يحاوره الناس في السياسة والكرة، وأفلام راجي كابور، فيحاورهم وهو منهمك، وحين يفرغ من عمله، تكون عشرات البناطيل والقمصان والبدل، معلقة على شماعات خلفه، في انتظار أصحابها. إنها الملابس التي استلم خاماتها في نفس الصباح، فصلها وخاطها، ثم التفت إلى جيرانه من الخياطين الآخرين يسألهم إن كانوا يرغبون في أن يمد لهم يد المساعدة، قبل أن ينصرف إلى بيته. ‫في أحد الأيام استلم قماشا من أحد أبناء الجنوب المنتشرين بشدة في الشرق، لم يكن الجنوبي يعرف عنه شيئا، سلمه القماش طالبا ثوبا وسروالا، وقميصا داخليا. أخذ الصديق قياساته، أعطاه قرشا وطلب منه أن يحضر له زجاجة من مشروب مرطب، ذهب الجنوبي إلى إحدى البقالات وعاد بالمشروب، ليسلمه الصديق ملابسه كاملة. وكانت صدمة للرجل الذي رفض أن يتقبلها باعتبارها ليست ملابسه، ودارت في ذلك اليوم معركة كبيرة دامت نصف ساعة، وعطلت الصديق عن إنجاز بدلة كاملة لأحد العرسان. استلمها منه واعدا بإنجازها حالما يفرغ الرجل من شرب شايه في أحد المقاهي القريبة. 3 كان عبود اللص، ميتا في ذلك اليوم لا محالة، فقد تسلق حائط أحد البيوت، في حي راق، ليسرق، وأحس به سكان البيت الذين كانوا ينامون في الحوش. طاردوه بالعصي والسكاكين، وأمسكوا به، وضربوه بعنف على جسده ورأسه، حتى أصيب بإغماء، ونقلته الشرطة إلى المستشفى في منتصف الليل، وكنت مناوبا. لقد شخصته ارتجاجا في المخ، قمت بخياطة جروحه، وتصوير رأسه بأشعة إكس، وكان قد استيقظ من إغمائه، وبدا مشوشا قليلا، وقمت بإدخاله المستشفى للمراقبة كما نفعل عادة. حيث يمكن أن تتطور حالته في أي وقت. وهو في الطريق إلى العنبر الداخلي، غافل حارسه والممرضين اللذين يحملانه على المحفة، قفز وانطلق يركض، لكن طاردته رصاصة من الحارس، أسقطته ميتا أمام أعيننا.