14 سبتمبر 2025
تسجيلعرف المشرع القطري التحكيم في المادة الأولى من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم (2) لسنة 2017 بأنه «أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلاً من اللجوء للقضاء سواءً كانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم، بمقتضى اتفاق الأطراف، مركزاً دائماً للتحكيم أم لم تكن كذلك» إذ إن التحكيم ما هو إلا نظام قانوني - متفق عليه كتابة - للفصل في نزاع بحكم ملزم يصدر من قبل محكم من الأغيار يُعين إما باتفاق طرفي النزاع أو بوكالة منهما وفق شرط التحكيم في الاتفاق. والتحكيم ما هو إلا طريق استثنائي لفض المنازعات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية- ذو درجتين - أو ثلاث درجات إذا كانت أمام محكمة الاستثمار والتجارة - بما تكفله من ضمانات ويقتصر نطاقه على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين في الاتفاق. والسؤال لماذا يطال حكم التحكيم البطلان على الرغم من توافر سلطان الإرادة في تكوينه، إذ إن عقد الإيجار من العقود الرضائية وقد يتفق الأطراف في العقد على القانون الواجب التطبيق وعلى المحكم وكيفية الإعلان ومع ذلك يتعرض للبطلان، والإجابة على هذا السؤال ينبغي بيان الآتي: أولا: ان القانون رقم (2) لسنة 2017 قد تفادى العيوب التي مُنيت بها المواد المتعلقة بالتحكيم في الكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية والتجارية. وعلى إثر ذلك، فإن بطلان حكم التحكيم قد يجد صداه إذا انعدمت الشروط الشكلية والموضوعية المكونة لها. وترتيبا على ذلك، فإن قانون التحكيم إنما أوجد طريقا سليما لصدور حكم التحكيم نهائيا وفاصلا بالنزاع. لذلك هنالك حقوق مالية لا يجوز التحكيم بها. إذ لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، على الرغم أن قانون التحكيم - بوصفة قانونا خاصا- لم يتعرض لما هو الصلح، إلا أن القانون المدني – بوصفة من القواعد العامة - قد فصل في هذه المسألة. لذلك فلا يجوز أن يرد حكم التحكيم في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب على الحالة الشخصية، أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم، على الرغم من استحالة شرح كل شرط على حدة، إلا أننا نكتفي فقط بالمسائل المالية. ثانيا: على الرغم من اتفاق الأطراف – على استبعاد ولاية القضاء الوطني من النظر في النزاع – على التحكيم من قبل محكم مستقل – أجنبي أو وطني – سواء وفق قانون أجنبي أو وطني، فإن المحاكم في قطر قد تحكم ببطلانه خاصة إذا ورد حكم التحكيم على عقد الإيجار. ومفاد العبارة السابقة وإجابة للاستشارة المقدمة لنا، أن عقد الإيجار إذا تضمن في بنوده على شرط التحكيم، وتم اللجوء إلى التحكيم، وطنيا أو أجنبيا، فإن هذا الحكم يوصم بالبطلان لا محالة. وليس كل عقد إيجار يلحقه البطلان، إنما العقود التي تسري عليها قانون رقم (4) لسنة 2008 بشأن إيجار العقارات. حيث نصت المادة رقم (2) على النزاعات التي تنعقد اختصاصها القضائي والنوعي ومنها النزاعات التي تكون العين المؤجرة المعدة للسكنى، أو للأغراض التجارية أو الصناعية، أو لغير ذلك من الأغراض، والوحدات المفروشة التي تزيد مدة إيجارها على شهر، سواء كان المستأجر شخصاً طبيعياً أو معنوياً. لذلك فإن كان النزاع يتعلق بالوحدات التابعة لأملاك الدولة العامة والخاصة أو الأراضي الزراعية أو الأراضي الفضاء أو أراضي الخدمات المساندة (الصناعية) أو الشقق والوحدات الفندقية والسياحية (Time Share) أو الوحدات السكنية المخصصة من الدولة أو من الشركات المختلفة للموظفين والعمال بمناسبة عملهم لديها فإن قانون الإيجار رقم (4) لسنة 2008 لا يسري عليهم. ثالثا: وفكرة بطلان أحكام التحكيم الواردة على عقود الإيجار الخاضعة لقانون الإيجار العقارات لسنة 2008 تجد صداها في سببين. السبب الأول: أن اللحنة المختصة لنظر النزاع في هذه المسائل (لجنة فض المنازعات الإيجارية) متعلقة بمبدأ النظام العام. إذ إن اللجنة تختص – بشكل حصري - بالفصل في جميع المنازعات التي تنشأ عن العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر، بالنسبة لعقود الإيجار التي يسري عليها أحكام هذا القانون. والقواعد الخاصة بأصول نظام التقاضي وإجراءاته إنما تتعلق جميعها بالنظام العام. السبب الثاني، ان أحكام قانون الإيجار رقم (4) لسنة 2008 هي أحكام آمرة ومتعلقة بالنظام العام. بالتالي لا يجوز- بأي حال من الأحوال لإرادة الأفراد – الاتفاق على عدم تطبيق قاعدة آمرة متعلقة بالنظام العام. على الرغم من أن القانون – سواء كان القانون المدني أو التحكيم – لم يعرف ما هو المقصود من مبدأ النظام العام. وتحديد مفهوم النظام العام هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة التمييز بحسبانها القيمة على احترام وحماية المبادئ العامة التي يقوم عليها النظام القانوني. إلا أن محكمة التمييز بادرت ببيان هذا المبدأ من أن النظام العام («مجموعة المبادئ الأساسية التي ترعى النظام السياسي، والتوافقات الاجتماعية، والقواعد الاقتصادية، والقيم الأخلاقية التي يقوم عليها كيان المجتمع، ويتحقق بها الصالح العام. فإذا ما تضمن نص تشريعي لقاعدة آمرة أو ناهية تتصل بأحد تلك الأسس، وتتوخى المصلحة العامة لا مصلحة الأفراد، فلا يجوز التحلل منها، أو إهدارها. فيضحى كل التزام انصب محله على مناهضة تلك القاعدة، أو أبرم لسبب يتعارض معها، باطلاً بطلاناً مطلقاً») رابعا: والبطلان الذي يلحق بحكم التحكيم للنظام العام – الذي لا يجوز رفعه إلا أمام محكمة الاستئناف – إنما يجب أن يرد على مسألة في نطاق المصلحة العامة، قوامه أن التزامات الأطراف أو اتفاقاتهم بما لازمه أبرمت على نقيض من تلك القاعدة الناهية المتعلقة بالمصلحة العامة للمجتمع يكون باطلاً لمخالفته النظام العام. لذلك فقد نصت المادة 33 من قانون التحكيم (« 3- تقضي المحكمة المختصة ببطلان حكم التحكيم، من تلقاء نفسها، إذا كان موضوع النزاع مما لا يجوز الاتفاق على الفصل فيه عن طريق التحكيم وفقاً لقانون الدولة، أو إذا كان حكم التحكيم يخالف النظام العام للدولة.»). وافتئات حكم التحكيم على اختصاص حصري أناط به المشرع الى جهة قضاء مستقلة كصاحبة الولاية في نظر نزاع معين وتكوينها واختصاصها متعلق بالنظام العام، يترتب عليه بطلان شرط التحكيم والحكم التحكيم ذاته.