14 سبتمبر 2025

تسجيل

الفرق بين الدعاء والادعاء

05 يناير 2016

حين تتزاحم الأحداث البسيطة والمركبة على أبوابنا؛ كي تتسابق على الدخول يرتبك العالم ونشعر بهزة فيه، وحين نفكر فيما يمكن بأن يكون قد تسبب بتلك الهزة لا نجد ما يليق سواه الاعتقاد ومن ثم التصديق بأن العالم قد تأثر بكل ما حدث، فبدأ بفرك رأسه من شدة دهشته، التي لم تقف عنده ولكنها امتدت إلينا حتى صرنا بوضع لا نُحسد عليه، وكي نخرج منه فنحن بحاجة ماسة لجلسة نقاش يفضفض كل من فيها بكل ما فيه، ويبوح بما يجوب أعماقه من مخاوف فاضت به وخشي أن تتمادى عليه وتتمرد؛ ليصبح ماضياً لن يتذكره الماضي، ولكنه كل ما قد قرر تجاوزه؛ ليمضي في سبيله في اللحظة التي أعلن فيها عن رغبته بالمشاركة في تلك الجلسة، المُقرر فيها إلقاء كل ما لديه، والحصول على أفكار أخرى لربما ستأخذه بعيداً عن تلك التي سبق لها وأن سلبت تفكيره، ومزقت رقعة تركيزه، والحق أنه ما نحتاج إليه فعلاً خلال هذه الأيام، التي صارت تقذف في كل ساعة منها مصيبة جديدة لا تتقبلها العقول، ولكنها تُفرض عليها، ولا تقبل بمرورها القلوب، ولكنها تُغصَب على ذلك حتى وإن كانت ضعيفة لا قدرة لها على التحمل، وبصراحة فإن هذا المشهد الذي يضم تلك العقول وهذه القلوب — المسلوبة الإرادة في موقف ظالم — تنبعث منه رائحة عفنة سببها تكالب الظروف التي تنهش لحم العالم بأحداث مرعبة نفيق عليها ونأمل بأن نفيق دونها، ولكل من سيتشبث برغبة التعرف على تلك الأحداث؛ كي يبتعد عن سرب هذه الأفكار؛ تلبية لنداء تجاهل ما يحدث وما يدور: فيكفيه تخصيص ساعة واحدة من وقته (لا أكثر)؛ كي يتابع فيها وبجدية تامة أخبار العالم؛ ليأتي من بعد ذلك ويتابع من تلك النقطة التي توقف عندها؛ كي يبدأ من جديد ويدرك ما كنت أتحدث عنه، ويستحق الإشارة إليه؛ ليعرف حجمه الحقيقي، فيبذل كل ما يستطيع بذله في سبيل إظهار تعاطفه واهتمامه وإن كان ذلك بمقدار ذرة لا أكثر، فما يحدث (والله) يستحق منه ذلك، ويستحق منه أيضاً الدعاء الذي يخلو من الادعاء، وعلى الرغم من التشابه الكبير بين الحروف، إلا أنه — وللأسف الشديد — ما لا يتجاوز حدود الشبه، الذي لا يخضع لصلة رحم أو غيره، وأين عسانا نجد رائحة الدم وروابطه بين من يحرص على الدعاء بدم قلبه، ومن لا يملك من الدم شيئاً ويدعي تأثره وتعاطفه؛ لأسباب تخجل منها الأسباب؟ لندرك بذلك الفرق بين الدعاء والادعاء، وكل ما يمكن بأن يعود بفائدته علينا بعد متابعتنا لهذا المشهد.(نعم) قد تكون الأحداث من نصيب النصف الأول من العالم، ولكنها تصل للنصف الثاني منه أيضاً، وتصرخ معبرة عن حزنها وحاجتها لمن ينصت إليها، الأمر الذي يُجبر كل مسؤول (مسؤول) على إظهار ما يدل على إحساسه بالمسؤولية اتجاه ما يحدث؛ لتكون من بعدها مشاركته بأقل وأبسط ما يستطيع فعله، وحين أقول (أقل وأبسط) فإن ما أتحدث عنه يكون بنبذ الادعاء الكاذب بالتأثر بالأحداث وتداعياتها وكأن القلوب على القلوب، في حين أن الموضوع لا يتجاوز حدود النفاق والتباهي بما لا حق له بأن يكون، وهو ما لمسته وللأسف الشديد من بعض الأفراد ممن يُظهرون ما لا يخفونه، ويدعون بأن الأمر يعنيهم وهو في حقيقة الأمر لا يعنيهم إلا في حدود ما يربطهم به من مصالح ما أن تنقضي حتى ينقضي كل شيء، وتعود الأمور إلى طبيعتها وكأن شيئاً لم يكن، ولهؤلاء أحب أن أقول التالي: حين يقفز من أمامك ذاك المشهد الذي يضم من يبحث عن لقمة يقضمها قبل أن يقضم حياته الموت، فمن الواجب أن تتقدم له بالدعاء (لا) أن تُظهر ما تملكه من فنون الادعاء، فتدعي ما لا تعنيه وكأنك تعنيه فعلاً؛ لأنك وإن فعلت فلن تُضيف على جروح الأمة وصفحة سلسلة معاناتها (الأخيرة) سواه ذاك الألم الذي سيُضاعف حجم الأسى من جهة، وسيلغي بعض امتيازاتك التي تُميزك كإنسان من جهة أخرى؛ لذا سألتك بالله لا تدعي ما لا تعنيه، وتُظهر عكس ما تُخفيه، وكن صادقاً مع نفسك أولاً، ثم مع من يستحق منك لحظة صدق تقول فيها الحقيقة كما يجب أن تكون (لا) كما تريدها أن تكون، وتذكر أن الحق مع صاحبه وليس مع من يدعي بأنه كذلك. وأخيراً وحتى تفيق من غيبوبتك، ونستفيق من وضعنا الحالي، نسأل الله السلامة والسلام لكل من هم على وجه الأرض، والرحمة والمغفرة لكل من هم تحت الأرض (اللهم آمين).