15 سبتمبر 2025
تسجيلنتعرف أحياناً أناساً يمرون في حياتنا نعبرهم أو يعبروننا ولو لفترة قصيرة أوساعات أو حتى لحظات معدودة، ولكنهم يتركون في أنفسنا أثراً لا تمحوه سنوات الغياب عنهم، ولا المسافات الطويلة التي تفصلنا عنهم، بعد أن نتركهم ونمضي.. يمر بنا أحدهم فنكون حينها بلحظة ضعف أو ألم أو انكسار فيمنحنا ربما كلمة واحدة نحتاج لسماعها حينذاك، أو لمسة قوة، أو نصيحة تغير فينا الكثير.. وكلما مررنا بمواقف مشابهة أو إخفاقات في حياتنا وجدناه هناك، ربما ليس بجسده، وإنما في دنيا ذاكرتنا.. يعيش فيها ويقترب منا أكثر وأكثر كلما احتجناه.. ليعطينا القوة التي منحنا إياها حين كان معنا يوماً من الأيام.. أو العكس فقد يعبرنا أحدهم حين نكون في لحظات الفرح والنجاح والقوة فيشاركنا تلك اللحظات، ويزيد من توهجها ويضفي عليها بريقاً ولمعاناً ويجعل منها بوجوده ومشاركته صفحة جميلة خلابة في دفاتر الوجدان، كلما قلبنا تلك الصفحات رأيناه هناك حين كنا نحلق في سماء السعادة، وكان يرفرف معنا فيها.. أظن أن كثيراً منا قد مر به أولئك العابرون الذين لا يرحلون من القلوب، والسبب في ذلك أن أناساً قد رزقهم الله تعالى قلوباً نقية، وأسلوباً جميلاً للتعامل مع الآخرين، وربما هو حب التعامل مع من حولهم ببساطة وبروح المشاركة بدون تكلف أو حسابات أوغير ذلك، من تلك الأمراض التي أمسى يعاني منها الكثير في زماننا هذا.. فحين يسجلون بابتسامتهم النقية وتعاملهم التلقائي ومواقفهم الإيجابية حضورهم في حياتنا وقلوبنا، يصبح من الصعب حينها أن ننساهم أو نتجاهلهم.. ومن الغريب في الأمر أن هؤلاء العابرين حين نفكر فيهم ونحاول أن نضعهم في إطار معين أو تصنيف ضمن تلك التصانيف الموجودة في ملفات قلوبنا، فإننا لا نستطيع أن نضعهم في أي منها فهذا الإنسان ليس في خانة الأخ ولا الحبيب ولا الصديق ولا غير ذلك من الأماكن.. حين نفكر في الأمر ونحاول أن نضعه في أحدها قد ينتهي الأمر بنا أن نفشل، ونجد أنفسنا قد وضعناه هناك في خانة جديدة تحمل اسمه فقط.. ولا يدخلها سواه.. هو فقط دون غيره.. وبدون مسميات أو وصف للمشاعر تجاهه.. كل ما نعرفه أنه عابر مر بنا.. وكان له معنا موقف أو مواقف نبيلة وجميلة، ثم رحل بجسده ولم ترحل روحه.. بقيت هناك في مكان محفوظ لا يقرَبُه عابث ولا حتى يد الأيام التي تمحو الكثير الكثير.. نشتاق لرؤيته وتحن مراكب أيامنا لموانئ وجوده، وتحملنا رياح الذكرى لسمائه كلما هبت فينا.. ومضة: إلى أولئك العابرين الذين لم ولن يرحلوا أبداً ما بقينا.. نقول لهم دمتم ودام وجودكم، فأنتم شموع تضيء لمن حولها ظلمة الليالي، وجداول عذبة يسقي ماؤها كل ظمآن مر بها، وأمل بالوفاء في زمن عز فيه الوفاء، ورسالة مكتوب فيها أن الدنيا ما تزال بخير مادام فيها أمثالُكم.. ولتعلموا بأن لكم هناك في قلوب من مررتم بهم خانات خاصة بكم، تحمل أسماءكم لا يدخلها سواكم.. ولا تتنفس إلا هواكم.. فأنتم الأعزاء الذين لا يحملون لقباً إلا أنهم في وجداننا (عابرون لا يرحلون).