29 أكتوبر 2025

تسجيل

المساواة تعني العدل والمواساة كفاية الفضل

05 يناير 2012

المواساة خلق إسلامي رصين غائب عند بعض المسلمين، لكنه حاضر وبقوة في التصور الإسلامي، فالمواساة كما يقول علماء العربية: أن ينزل المرء غيره منزلة نفسه في النفع له والدفع عنه، والإيثار أن يقدم غيره على نفسه فيهما، وهو النهاية في الإخوة. وهذا الكلام النظري وجد تطبيقاً عملياً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته.. ثم تضاءلت - المواساة - في العصور المتأخرة بيد أنها لم تختف. لقد شرعت المواساة في ديننا ولها صور متعددة: فهناك المواساة بالمال، وهناك بالبدن، وهناك بالجاه، وهناك بالكلمة الطيبة. وهي وإن كانت لازمة من الغني إلى الفقير أو الصحيح إلى المريض أو القوي إلى الضعيف فإنها أحيانا تكون من المفضول إلى الفاضل، ومن ذلك ما فعله سيدنا أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم حين واساه بماله فقال النبي عنه: {آمن بي إذ كذبتموني، قلت لكم: أنا رسول الله إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وبماله}. والقرآن الكريم أظهر جوانب من المواساة للفقراء والمساكين فقد قال الله في شأن الضعفاء لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:54]. يواسى الفقراء كما واسى المهاجرون الأنصار؛ وطبق الأنصار هذا المبدأ مع إخوانهم المهاجرين الذين تركوا أموالهم وديارهم وأهليهم لله ورسوله قال تعالى فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [الحشر:9] وبلغ الأمر من التطبيق مبلغاً يدل على صفاء قلما تعرفه البشرية، وذلك في موقف سعد بن الربيع حين قال لعبد الرحمن بن عوف: يا عبد الرحمن! انظر إلى أي زوجتي هاتين أعجبتك حتى أنزل لك عنها فتتزوجها! وقال: يا عبد الرحمن! إني رجل كثير المال فهلم أقسم مالي بيني وبينك نصفين! وإن كان موقف سعد رضي الله عنه بلغ المرتبة العليا في المواساة والوفاء فإن موقف عبد الرحمن بن عوف لا يقل نبلا عنه حين قال له بارك الله لك في مالك وأهلك وزوجك دلني على السوق. ومدح النبي صلى الله عليه وسلم قبيلة أبي موسى الأشعري لمواساتهم مع بعض فقال (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو - أي قل زادهم - أو قل طعام عيالهم، جمع كل منهم ما عنده من طعام، ثم طرحوه، ثم اقتسموه بينهم بالسوية فأنا منهم وهم مني). وهذه الخصيصة والميزة لا تقتصر على قبيلة دون قبيلة بل اللفظ هنا عام يدل على الفعل لا الفاعل، ولعلنا نسلط الضوء في المقال القادم إن شاء الله على ذلك.