12 سبتمبر 2025
تسجيلكلما حاولت صرف قلمي نحو محطات أخرى في الحياة؛ لينصرف نحوها وينشغل بها؛ ملبياً كل ما عليه من واجبات، وجدته وقد عاد بي نحو محطتي الأولى والأساسية لينقلب الحديث ويصبح عن (أبي)، الذي توتر وضعه الصحي وبشكل كبير، لا نعلم متى سيعود به إلى سابق العهد، أي كما عهدناه من قبل، حين كان رجل الأمن الذي تعهد بحمايتنا والاهتمام بنا؛ لننعم بحياة طيبة وإن لم تكن كذلك بالنسبة له، وحين كان المعلم الذي تعهد بتعليمنا كل ما قد تعلمه وتلقاه في حياته وبطريقة قاسية، ولكنه لم يقبل بأن نكتسبه إلا بطريقة أكثر ليونة وسهولة تعبر عن حبه الشديد لنا، وحرصه على أن نكتسب كل ما قد اكتسبه وبقدر مضاعف يضيف لنا وعلينا الكثير، مما صرنا نحتاجه الآن في حياتنا، وأدركنا من خلاله هدفه (أبي) الذي كان يُحضرنا لمستقبل قادم يحتاج لـ) بسالة الروح)، التي تتطلب الكثير من العزم والجد؛ لتصبح قادرة على مواجهة ومجابهة مصاعب ومتاعب الحياة التي لن نستطيع قطف ثمارها ما لم نخلص بكل عمل نقوم به فيها؛ ليخرج وبجودة عالية تفسر قصة الإخلاص، تلك التي غُرست في قلوبنا منذ الصغر، أي بزمن كنا نعود فيه من المدرسة، وننتظر عودة (أبي)؛ ليمدنا بالجديد الذي كنا نرى من خلاله كل العالم، فهو من كان بالنسبة لنا كـ (صندوق الدنيا) الذي كنا ننتظره وبفارغ الصبر؛ لنكتشفه ونكتشف منه ما لم ندركه من هذه الحياة، التي فقدت رونقها مؤخراً وتحديداً بعد أن فقدناه وافتقدناه رغم وجوده معنا وذلك؛ بسبب رحلته المريضة الطويلة، التي نسأل الله بأن يختمها له ولكل مسلم بالشفاء التام (اللهم آمين). من الطبيعي أن يتأثر القلم بكل ما يدور بحياة صاحبه؛ لذا كثيراً ما ينزلق بلسانه ويتحدث عن أمور تُعرف بـ (خاصة)، غير أني لا اعتبرها كذلك حين أكون معكم، خاصة أن ما يربطني بكم يجعلني على ثقة تامة من أن قلوبكم ستستوعب ما نمر به أنا وقلمي، تماماً كما كنا ولازلنا بل وسنظل نفعل معكم إلى أن يشاء الله غير ذلك، وهو ما سيكون بفضل ما تفرضه العلاقة الودية التي تضع الكاتب والقارئ في قالب حميم يسمح لهما بتبادل الأدوار، فكما يعطي الأول يأخذ والعكس وارد وصحيح مع ذاك الثاني، الذي نمتص منه كـ (كُتاب) ما يجول في الحياة، ويحتاج لمن يلمحه ويتفحصه ويتحقق منه؛ كي يُخرج منه العبرة والفكرة، وينطلق بها؛ ليقدمها لمن يحتاج إليها؛ ليعمل بها ويطور نفسه، فيتحسن للأفضل. من يتابعني منذ زمن (يدركه) يدرك تماماً أن ما سيخرج به مني اليوم، لا يخصني وحدي، بقدر ما سيخصه؛ لأنه يسلط الضوء على أهم إنسان بحياة كل واحد منا، الإنسان الذي ولربما يكون بصحته ولكنك تنشغل عنه بأمور أخرى تحسبها أهم وأكثر فائدة من مجالسته والتعرف على جديده الذي وكما يبدو بات قديماً بالنسبة لك، أو ولربما لا يكون بصحته وتحبه ولكنك؛ وبسبب أعمالك وانشغالك بها لا تستطيع التواصل معه، فتقطع صلتك به؛ لتحرمه رؤيتك التي يتمناها وبكل حب، (لا) لتعرف أخباره، بل ليعرف أخبارك ويدرك ما يدور معك وفي حياتك؛ ليساعدك بما ينقصك يحثه على ذلك خوفه عليك وحبه الصادق لك، وهو كل ما يدل على حبه لك وبكل حالاتك التي لن تجعلك أمامه بكل حسناتك وسيئاتك سوى (أغلى) ما يملك؛ لذا لا تفرط بحببيك، ولازمه بالمداومة على السؤال عنه كل الوقت، فهو بحاجة إليك في هذا الوقت أكثر مما سبق، فبعد أن كان من يحملك صرت من يتوجب عليك حمله؛ لتعوضه بذلك عن كل ما قام به من أجلك حين كنت صغيراً لا قدرة لك على القيام بأي شيء سوى الاعتماد عليه من بعد الله، فهو من كان لك كالطبقة الحامية التي تعهدت بتلقي كل ما يقع عليها من الحياة؛ لتمتصه وتأخذ عنك ما قد يضرك؛ لتمدك بما سينفعك وفي المقابل؛ وعليه فلتقابل هذا الإحسان بما يوازيه قدراً أو ما هو أكثر منه من إحسان؛ لترد له ذاك الجميل (الجميل) وبشكل تحبه وترضاه. همسة أخيرة من الطبيعي بأن نختلف مع من نحب، ولكن ذلك لا يجعلنا نتخلف عن التواجد معهم وقت (الحاجة)، التي لن يدركها أي أحد سواك متى أدركت معنى المبادرة الحقيقية.