11 سبتمبر 2025

تسجيل

تلبيس إبليس (2)

04 نوفمبر 2016

أثناء زيارتي لمكتبة خاصة، في منزل أحد الأعيان، رأيت رجلا غريب السمت، أشيب الشعر، كث الشارب، منهمكا في الكتابة، وأمامه عشرات المجلدات من الكتب الدسمة، وبيمينه الريشة، يغمسها بين الفينة والأخرى في المحبرة، ليكتب على ورق فاخر مصنوع من القطن بضعة أسطر، ثم يتوقف مفكرا، مع سعلة أو عطسة. لفت انتباهي، وجذبني اهتمامه بما يفعل، ثم تعجبت، كيف يكتب رجل في القرن الحادي والعشرين على أوراق بدائية، بواسطة الريشة والمحبرة، اقتربت منه متسائلا، فالتفت لي وقال مبادرا قبل أن أفتح فمي: أكتب اليوم الجزء الثاني من كتابي "تلبيس إبليس"، من الضروري أن أفعل ذلك؟ إذا أنا أقف أمام ابن الجوزي، وربما وهو الغالب، معتوه يريد أن يجرني معه إلى متاهة السفر عبر الزمن، فهززت رأسي موافقا، "مكبرا الدماغ" كما يقولون، وابتسمت له، دون أن أنطق بحرف. ابن الجوزي الحقيقي، هو أبو الفرج عبد الرحمن بن على التيمي البكري، فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم، عاش بالقرن السادس الهجري، ولد وتوفي في بغداد، أما هذا فلا أعرف أصله أو فصله.قال لي ابن الجوزي العصري: لإبليس لعنه الله تأثير غير محدود على أهل الإيمان والصلاح، فيلبس عليهم دينهم، إما بإدخال أفكار منحرفة لعقولهم، أو بإيقاعهم في براثن الرياء، والعياذ بـالله. فذلك عبد يبدو في ظاهره صالحا، لا يترك فريضة أو سنة، ثم يأتيك في مكتبك، ومن غير مناسبة يقول: صداع رهيب أشعر به لأني لم أتناول قهوة الصباح، فأنا صائم!!، وكأنه يمن على الله صومه. وذاك رجل تقي ورع، يأتيك ويقول، في الليلة الماضية، وأنا متجه لأداء صلاة الفجر، وقعت في بركة من الطين فتلوثت ثيابي، جميل، علمنا أنك تصلي الفجر جماعة، أجرك على الله، وليس عندي أيها الحبيب. ابتسم لي ابن الجوزي العصري، فكشف لي عن أسنان صفراء، يبدو أنه يتناول القهوة كثيرا، في مقهى (صندوق النجمة)، ثم استرسل وقال بعصبية، كل ذلك بسيط إلى جانب الهراء الذي رأيته في شبكات التواصل الاجتماعية!!ستقرأ في الجزء الثاني من تلبيس إبليس، عن ذلك الشاب، الذي يذهب للحج أو العمرة، وقبل ذهابه يكتب بالفيسبوك: حللوني، فأنا ذاهب لأداء الحج، وأثناء طوافه يصور نفسه، وينشرها في الانستجرام، ثم يقول: اللهم تقبل منا أعمالنا، واجعلها مخلصة لوجهك؟!!، طيب إن أردتها مخلصة، فلماذا تضعها بالفيسبوك أمام الملأ أيها الفالح؟!!؟.كما ستقرأ عن ذلك الذي في ظاهره فاعل خير، يتقدم بإعانة لمجموعة من الفقراء، شيء يسير لا يكاد يسمن أو يغني من جوع، ثم يقوم بأخذ صورة جماعية مع المساكين الذين حصلوا على المساعدات، وينشر الصورة في كل مكان بشبكات التواصل!!صمت ابن الجوزي قليلا، توقعت أن لديه الكثير ليقوله، لكنه بدأ يرتجف، وأبخرة صفراء تتصاعد من شعره، وأنا شخصيا شعرت بالرعب، فهربت، غير ملتفت ورائي، ولا أدري ما حصل بعد ذلك.