30 أكتوبر 2025
تسجيلعندما يتم الحديث حول العنف ومسبباته ونتائجه، هل يتعلق ذلك بمخاطبة حالة الوعي والإدراك لدينا أم اللاوعي واللاإدراك ودرجة اختلافها من شخص إلى آخر؟ هل نولد ونحن مجبولين على العنف أم أن البيئة والظروف التي نعيش فيها تسهم في تحولينا إلى مخلوقات عنيفة. وماذا يحدث إذا امتلك الواحد منا في يوم ما سلطة مطلقة هل يتحول إلى إنسان عقلاني متفهم عطوف حنون أم غير عقلاني شرس جبار منتقم وعنيف؟ وهل لكل ذلك علاقة بالثورات التي انطلقت في العالم العربي قبل سنوات معدودات؟! والصراع المتفاقم والمستمر منذ أكثر من ألف سنة ونيف ما بين السلطة المطلقة وحقوق الشعب والأمة.في عام 1971 قام عالم النفس الأمريكي “فيليب زيمباردو” بتجربة أطلق عليها “سجن ستانفورد” في محاولة لكشف التغيرات النفسية والسلوكية على الأفراد عند امتلاكهم للسلطة المطلقة. واختار فيها ما يقارب 24 متطوعا من طلاب الجامعة وتم التأكد بعد اختبارهم أن جميعهم دون أي سوابق إجرامية، ورفضهم المطلق لجميع صور العنف وممارساته لأنفسهم وللآخرين. وتم تقسيم المتطوعين على مجموعتين متساويتين، مجموعة لعبت دور المساجين والأخرى لعبت دور السجانين، وضعهم جميعا في قبو جامعة ستانفورد الذي جُهز ليكون محاكاة لسجن حقيقي، مع التأكيد على الحراس أن يديروا إدارة السجن كما يحلو لهم كأنهم في سجن حقيقي مع مراعاة عدم استخدام العنف الجسدي مهما كان الأمر. وتُركت مجموعة المتطوّعين تحت المراقبة من خلال كاميرات مراقبة خفية ومسجلات صوت ولكن دون تدخل مباشر لمدة أسبوعين.ولكن وبشكل مفاجئ تم إيقاف التجربة بعد أيام معدودات، بعدما اكتشف المراقبون أن حجم الصدمة مخيف، والمأساة لم تكن بحجم التوقعات، والضرر أصاب الجميع، وزادت الممارسات العنفية والسادية والمهينة والمذلة على أيدي الحراس الذين تناسوا كل القواعد الأخلاقية والقانونية والدينية ولم يتذكروا إلا القاعدة الوحيدة في التجربة بأن لديهم السلطة المطلقة، مقابل المعاناة في الفريق الآخر (السجناء) والذين تعرضوا للضغوط النفسية والشعور بالخوف والرعب، وظهور حاﻻت انهيار عصبي، والمشاعر السلبية في البكاء والقلق الحاد والكآبة. وكانت خلاصة التجربة التي تحدث عنها عالم النفس الأمريكي “زيمباردو” أنه إذا توافرت ظروف القوة والسلطة المُطلقة للإنسان فإنها ستؤدي به إلى التعسّف والظُلم، فالسلطة المطلقة تُغير من ملامح الإنسان وتخرج أسوأ ما في النفس البشرية.