18 سبتمبر 2025

تسجيل

ميزانية ضخمة للبحرين للعامين 2013 و2014

04 نوفمبر 2012

تتميز البحرين بين سائر دول مجلس التعاون الخليجي بإقرارها ميزانية سنتين ماليتين متتاليتين في آن واحد. يهدف هذا البرنامج النوعي لتحقيق أهداف منها منح مؤسسات القطاع الخاص فرصة معرفة اتجاهات الصرف للدولة وبالتالي التخطيط للاستفادة القصوى من مشاريع القطاع العام لفترة زمنية غير قصيرة. من جهة أخرى هناك من يرى خطأ هذا التوجه بالنظر لصعوبة تكهن أسعار النفط الخام والتغييرات السريعة التي تحصل في الاقتصاد العالمي في هذا العصر. يلعب القطاع النفطي دورا محوريا في الاقتصاد البحريني عبر توفيره لأكثر من ثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة والتالي بدورها تعد المصدر الأول لتمويل نفقات الحكومة. وقد كشفت ميزانية السنتين 2013 و2014 والتي تم نشر أرقامها الأسبوع الماضي عن تشكيل القطاع النفطي لقرابة 86 في المائة من دخل الخزانة أي نفس النسبة المسجلة في ميزانية كل من 2011 و2012. في المقابل أسهم القطاع النفطي بنحو 76 في المائة من إيرادات الخزانة في السنتين الماليتين 2009 و2010. وتعكس هذه الأرقام تزايدا وليس تراجع الأهمية النسبية للنفط في إدارة دفة الاقتصاد البحريني الأمر الذي يتناقض مع هدف تحقيق تنوع في إيرادات الخزانة العامة. المشهور إقليميا أن البحرين هي الأقل اعتمادا على القطاع النفطي لكن ينطبق هذا بالضرورة على الأهمية بالنسبة للنفط الخام في الناتج المحلي الإجمالي. ويكمن الفرق في الأهمية النسبية لبعض القطاعات الأخرى مثل الخدمات المالية حيث تعد المنامة أهم مركز إقليمي للصيرفة الإسلامية على سبيل المثال. كما تحسب الجهات الرسمية عملية تكرير النفط الخام لمنتجات نفطية ضمن خانة قطاع الصناعة التحويلية. وبنظرة فاحصة تظهر بعض الإحصاءات الحيوية المرتبطة بالميزانية الجديدة عن وجود رغبة لدى الجهات الرسمية بتعزيز النفقات العامة بغية معالجة بعض التحديات التي تواجه المملكة. وكانت البحرين قد شهدت اضطرابات سياسية منذ بداية 2011 للمطالبة بتحقيق أهداف ديمقراطية بما في ذلك تأصيل المشاركة الشعبية في صنع الخيارات التي تواجه البلاد. وربما أسهمت بعض التحديات المعيشية والاقتصادية مثل الملف الإسكاني والبطالة بالدفع باتجاه ظهور الأزمة. في التفاصيل تم تقدير نفقات العام 2013 بنحو 9.15 مليار دولار مع تسجيل زيادة طفيفة في 2014 وصولا لحد 9.4 مليار دولار. لا شك تزيد هذه الأرقام بشكل نوعي عن تلك المقدرة للسنتين الماليتين السابقتين وتحديدا 6.9 مليار دولار للعام 2011 و7.16 مليار دولار للسنة المالية 2012. وللمرة الأولى يضاف لأرقام الميزانية العامة الدعم المالي الخليجي. وكانت منظومة مجلس التعاون الخليجي قد أقرت في العام 2011 خطة لمنح كل من البحرين وعمان مبلغا وقدره 10 مليارات دولار على مدى عشر سنوات بغية مساعدة البلدين في معالجة بعض الملفات التنموية. كما هو الحال مع البحرين شهدت عمان اضطرابات اجتماعية مطلع العام 2011 للمطالبة بحل ملفات عالقة مثل توفير فرص العمل للمواطنين. وقد أصبحت الكويت أول دولة خليجية توفر مبلغا وقدره 2.5 مليار دولار للبحرين موزعا على مدى عشر سنوات بواقع 250 مليون دولار بدءا من العام 2013. وقد تقرر بستخدام الدعم المالي الكويتي لأغراض تشيد وحدات سكنية بالدرجة الأولى فضلا عن تعزيز إنتاج الكهرباء والماء إضافة إلى تطوير شبكة الطرق في مختلف مناطق البلاد. وتبين حديثا أن نصيب الأسد من الدعم المالي الكويتي أي 45 في المائة سوف يذهب لغرض إنشاء وحدات سكنية في مختلف البلاد. يعد هذا الأمر مهما بالنظر لوجود آلاف الطلبات من المواطنين للحصول على الخدمة الإسكانية. حقيقة القول جاء الدعم المالي الكويتي في التوقيت السليم بالنظر لتخصيص السواد الأعظم من مخصصات ميزانية الحكومة لأغراض النفقات المتكررة عبر الصرف على رواتب وأجور العاملين في القطاع العام. وتبين أن السلطة قد قررت تخصيص 1.6 مليار دولار للمشاريع التنموية في كل من السنتين الماليتين 2013 و2014. بمعنى آخر المعادلة عبارة عن 78 في المائة من المخصصات على النفقات المتكررة و22 في المائة على المشاريع التنموية في 2013 بل تزيد الأهمية النسبية للمصروفات المتكررة في 2014 على خلفية زيادة النفقات لكن مع الاحتفاظ بالمخصصات التنموية. وبنظرة إيجابية يعكس هذا التوجه وجود رغبة لدى السلطة لمعالجة ملفات مهمة مثل إيجاد فرص عمل للمواطنين. على صعيد آخر تشكل نفقات الدولة ثلث حجم الناتج المحلي الإجمالي وقدره 26 مليار دولار الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية للقطاع العام في الاقتصاد البحريني. وحتى الماضي القريب كانت نفقات الدولة تمثل قرابة 30 في المائة أو ما دون ذلك من الناتج المحلي الإجمالي. طبعا يتناقض هذا الواقع الجديد مع أحد أهداف رؤية البحرين 2030 بخصوص تعزيز دور القطاع الخاص وليس العكس. لكن كما يقال للضرورة أحكام في أعقاب الأحداث السياسية التي مرت بها المملكة حيث من شأن زيادة النفقات العامة المساهمة في تسجيل نتائج مرغوبة في الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي مواجهة بعض التحديات الاقتصادية خصوصا مسألة إيجاد فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. إضافة إلى ذلك غالبا ترى مؤسسات القطاع الخاص في تعزيز المصروفات العامة دليلا ماديا على رغبة الجهات الرسمية بتنشيط الأوضاع الاقتصادية وبالتالي قد تقدم على خطوات الأمر الذي ينصب في مصلحة الناتج المحلي. ختاما ما يبعث على الاطمئنان هو استمرار الجهات الرسمية بنشر أرقام الميزانية العامة في التوقيت الصحيح كما هو منصوص عليه في القوانين المعمول بها أي قبل ابتداء السنة المالية بفترة زمنية. وبقي الدور الآن على السلطة التشريعية لإقرار الميزانية وهو أمر متوقع في كل حال من الأحوال بالنظر لسيطرة التيارات الموالية للسلطة على مقاعد البرلمان.