13 سبتمبر 2025

تسجيل

فعلاً المهنة أخلاقيات

04 أكتوبر 2012

أن نُطلق الوعود يعني أن نلتزم بها، فالوعد كالخيط الرفيع الذي وإن لم نؤكد وجوده، إلا أننا لن ننكره؛ لذا يظل القلب مرتبطا به بقدر ما يربطه ذاك الوعد، والحق أنه الوضع الذي أجد نفسي عليه حين أُطلق من الوعود ما يربطني ظاهراً وباطناً، فتتوجه على أثره تحركاتي، وتكون بسببه كل تصرفاتي، التي كان منها مؤخراً تفكيري بوضعنا المهني في الوسط الذي أنتمي إليه. لقد كان الحديث الذي دار بيني وبينكم بآخر لقاء جمعني بكم تحت عنوان (المهنة أخلاقيات)، وكان الوعد بأن نجري في عروق الحديث عن هذا العنوان المقلوب بشيء من التفصيل، وهو ما يعني أنه حديثنا الذي سنخوضه هذه المرة. الحقيقة هي قيمة كل ما نقوم به، وكل ما نود القيام به؛ لذا نعمل وبجد؛ كي نكتشف الحقيقة ونكشفها، وإن لم نكن نرغب بها على أرض الواقع، فالحق أن هناك من لا تروقه عملية كشف الحقيقة، وإن كان يفر بحثاً عنها لاشعورياً، فتجده وقد صعر خده وفر بوجهه في اتجاه آخر لا يمت لتلك الحقيقة بصلة؛ لذا تجد ما يبرر انحرافه عن مساره، في حين أنه يتوجب عليه أن يرابط؛ ليدرك تلك الحقيقة وما تكون عليه، بدلاً منه ذاك الهروب المنمق، والذي لا ينطلي على أحد سواه المتخاذل والمتقاعس مثله. المرء في أي وسط ينتمي إليه، ويعيش فيه؛ ليمتد منه ويجد نفسه بين خباياه؛ ليُحسب عليه، لا يعمل إلا بشكل عفوي، فلا يحتاج للتخطيط، ولا يتطلب الأمر منه من التنسيق شيئاً، وكأن العملية قد حُفظت في ذاكرته؛ ليقوم بها بشكل تلقائي. (نعم) ينطبق الحديث بل وينجح حين يكون على (آلية العمل) وما يتطلبه منا، ولكن لا يكون الوضع ذاته حين يتعلق الأمر بـ (العطاء) الذي لا يسعى خلف أضواء الكم، بل الكيف، فالعطاء وفي مجال العمل يتطلب تفهم كل أخلاقياته التي تحدد الصواب من الخطأ، فوحدها تلك الأخلاقيات ما تعطي العمل قيمة حقيقية، ويدرك المرء من خلالها معنى ما يقدمه للآخرين، وتكون الطامة طامة حقيقية حين يعتبر البعض أن مزاولة المهنة تفرض عليه (أخلاقيات) معينة لا تكون إلا إن كانت منه تلك المزاولة، بينما التنحي جانباً ولأي سبب من الأسباب يقدم له حق التنكر لها وعلى طبق من ذهب، بحكم أنها لا تمت له بصلة، والحق أن كل المهن تتفق على نقطة جوهرية أساسية من قبلها نقطة (العطاء) وهي الأخلاقيات التي تُمجد العمل، فكأنها السبيل إلى المهنة المُراد اختيارها للتميز والتألق. إن الظروف التي تُمهد لنا درب الوصول قد تفرض علينا اختيار ما لم يكن ليقع عليه اختيارنا يوماً (ما)، فتنتصر تلك الظروف وفي نهاية المطاف؛ لنسلم بعد محاولات شرسة نقوم بها فقط من أجل تحقيق ما نود تحقيقه، وبعد تلك المراحل نقوم بما يتوجب علينا القيام به، ومنه مزاولة العمل، وهو ما يعني أننا وإن زاولنا مهنة (ما) فلابد وأن نتلون بأخلاقياتها، تلك التي ستضفي على إنسانيتنا قيمة أكبر تكون حين نقدرها تلك الأخلاقيات. (المهنة أخلاقيات) لابد وأن ندركها تماماً؛ لندرك درجة الإنسانية التي بلغناها، ونتحدث عنها، إذ ان البعض منا يزاول مهنته دون أن يكرس من وقته وقتاً يفكر فيه بتلك الأخلاقيات التي تعني أن نهتم بجودة ما نقوم به، وأن نفخر بكل ما تطالبنا به المهنة التي نزاولها، وأن نعامل الآخر بما يُرضي الله، وأن نتفهم الصواب دون أن نتشبث بالخطأ، وأن نقول الحق دون أن نسعى إلى الزور، وأن نؤكد على سلامة إسلامنا من خلال عملنا، بحكم أن الإسلام قمة الإنسانية، والالتزام بأخلاقيات المهنة يغرس لنا اليوم ما سنحرثه غداً، وأخيراً فإن الحديث عن الأخلاقيات سيطول؛ لذا سنتركه حتى يكون لقاؤنا القادم، وحتى يحين ذاك الحين، فليوفق الله الجميع. ومن جديد راسلوني بالجديد: [email protected]