12 سبتمبر 2025

تسجيل

أوراق الورد الجافة

04 أكتوبر 2011

أحد شروط القيادة الناجحة أن تواكب قراراتها وحركتها وعي الجماهير لا تسبقه ولا تتخلف عنه، وهذا ضمانة عدم وجود فراغ وعي أو زمن بينهما، لأن أي فارق في الوعي أو التزامن يؤدي إلى اختلاف في اتجاه الحركة وقد ينجم عن هذا الانحراف عدم تحقيق الأهداف وخلل في إدراك كل منهما للآخر. هذا ما حدث في ثورة يناير، وأدى إلى حالة من استبدال الخصومة، وتصورات عن تربص متبادل، وسقط الحوار إلى مستوى اللغط غير المنتج، ووصل أحيانا إلى بذاءة في التعبير. تردد تعبير "التباطؤ إلى حد التواطؤ" توصيفا لحالة تخلف لدى متخذ القرار وإدارة الحكومة عن وعي الجماهير وإرادتها، وتزايد اتساع الفارق الزمني بين مطالبات الجماهير وتحرك القيادة. طوال الفترة الانتقالية كانت القرارات تتخذ على نحو من الاستجابة بالشكل لمطالب جماهيرية خلال زمن يوحي بأن أسلوب التعامل هو نفسه أسلوب النظام السابق في الاعتماد على الزمن كوسيلة للتخلص من المطالب ودون عزم تحقيقها، وفي المرة الوحيدة التي سبقت فيها إدارة المرحلة المطلب الجماهيري كان تشكيل لجنة التعديلات الدستورية، ورأى قطاع عريض من الجماهير أنها التفاف على الثورة وتحويلها إلى حركة مطلبيه. والمرحلة التي تمر بها مصر يكاد ينطبق عليها تعبير "أوراق الورد الجافة". نعم هي أوراق ورد جرى تجفيفها، تبدو متماسكة، ولكنها هشة تستطيع أن تسحقها بين أصابعك بلا جهد، يملأون بها آنية بالمنازل ولا يتجاوز أثرها تحريض الخيال إلى توهم ما كان من صورة للورد، مجرد ذكرى لجمال الزهور اليانعة، زهور تجاوز نضجها إمكانية تجاهلها، ولكنها لم تجد من يرعاها ويجدد حياة اللون والرائحة فيها، فاستعاض عن فقدان القدرة على الرعاية، إلى إنهاء الحياة فيها بتجفيفها. سياسة "أوراق الورد الجافة" هي الحاكم للعلاقة بين الثوار ومصدر القرار السياسي بعد الثورة، حيث نهج التجاهل والتعامل بالعنف أحيانا وتشتيت الانتباه عن القضايا الأساسية للمرحلة الانتقالية، هي سمات التعامل رغم تكرار كلمة الثورة دون المضمون. تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن "التحالف العرفي" بين مصدر القرار والأحزاب والجماعات ورأسمالي النظام السابق، وهو تحالف تتباين نواياه وغاياته، ولكن أطرافه تدعي أن مرجعيتهم وهدفهم الثورة، ويحيا الشعب صراعاتهم ويدفع ثمنها إحباطا ومن أمنه. وفي ذات المقال تحدثنا عن "الهروب للأمام" بادعاء قضايا جانبية تشتت البصر، هروبا من تبعات ومسؤوليات الفترة الانتقالية. وحذرنا من استبدال الخصومة في كونها خصومة مع أعداء التغيير، إلى خصومة مع المجلس العسكري دون تجاهل مسؤولياته عن بلوغ هذه المرحلة. وحذرنا من احتمالات الانفجار. كشف الإعداد للانتخابات القادمة لمجلسي الشعب والشورى الفارق بين تحمل مسؤوليات المرحلة الانتقالية المباشرة والتي كان واجبا لها أن تشغل بال المجلس والوزارة والأحزاب، وبين إدعاء الولاية على الثورة والهروب من هذه المسؤوليات إلى تمكين للأحزاب من نتائج العملية الانتخابية قبل إتمامها. وقد أكون خارجا عن تغريدات الديمقراطية التي تصدح بها البلابل والغربان معا في مصر، ولكنه رأي أرى استمرار الحديث عنه ضرورة للامساك بحقيقة "أن تجفيف أوراق الورد" تجري بإسهام من كافة الأطراف خاصة هذه الأحزاب التي تشكلت قبل وبعد الثورة. وغير ذلك مشهد الهرولة المتتابع ممن أعلنوا نيتهم في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. كل هذا كان بديلا عن مهام الثورة في المرحلة الانتقالية وكان واجبا أن تقوم بها سلطة الثورة، وليست تلك السلطة المدنية المصنوعة وفق أهواء طالبيها، وتحت إرهابهم أنهم إن لم يحصلوا على هذه المطالب فسيشعلون الأرض نارا، والاستجابات التي تصدر عن المجلس العسكري تعني أن هناك توافقا لمنح السلطة إلى طالبيها، دون مبرر من حقيقة على الأرض أو حق من ولاية على الثورة، وتجاهل كامل للشعب صانع الثورة وصاحب المصلحة الحقيقية للتغيير. هل تنكر الأحزاب أيا كان دورها قبل الثورة أو بعدها أنها لا تمثل كل الشعب وأن نسبة أعضائها لا تتجاوز 5% من تعداد الشعب؟ وهل تنكر الأحزاب التي عايشت النظام السابق سواء عارضته أو توافقت معه أن اتجاهها كان دائما للطلب من الحاكم دون خوض أغلبها معارك الشعب الحقيقية في مواجهته؟ كيف ترضي الأحزاب التي تدعي أنها تعبر عن الشعب إلى السيطرة على 100% من مقاعد مجالسه المنتخبة بالقائمة النسبية وهي لا تمثل أكثر من 5% من مجموع الشعب ولا تمثل أكثر من 8% من مجموع الناخبين؟ ولماذا تتغافل الأحزاب أن أعضاء من الحزب الوطني المنحل قاموا بتشكيل 7 أحزاب تضمهم على الأقل؟ ويعودون لربط المقعد الفردي بين مطلبين، الأول أن يكون لهم الحق في الترشح عليه لإعدام فرصة غيرهم في الترشح؟ وتحت مقولة إن المقعد الفردي باب خلفي تسلل أعضاء الحزب المنحل إلى المجالس النيابة تغاضيا عن قانون العزل السياسي وعن الأحزاب السبعة التي شكلها أعضاؤه، بل حضر بعضها الحوار الذي عقد مع رئيس الأركان. وتحشد الأحزاب والقوى مظاهرات تحت عناوين أخرى قد تكون محرضا ودافعا للاحتشاد، مثل قانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية والمعتقلين وحق الشهداء والمصابين وتضيف مطالبا لم يعلن المجتمع أنه قبل بها باستفتاء، ولا يمكن الارتكان إلى صمت الشعب بأنه قبول، فصمت الشعب قد يكون تربصا بهم وكفرا بأنانية تحكمهم. أليس ذلك كله هروبا للأمام؟ ولماذا لا ترصد الأحزاب المطالب الفئوية وما ترتب عليها من إضرابات واعتصامات وحتى التجريم الذي نص عليه قانون يصمها بتهديد الوطن والإنتاج تركته الأحزاب دون إلغائه؟ هذا الرصد يدفعنا إلى سؤال جاد، لماذا نجرم المطالبات الفئوية والتي تعبر عن قصور في إدراك احتياجات الشعب، ونتحاور مع المهددين بالدم إن جرى إصدار إعلان المبادئ الدستورية أو تحديد لكيفية تكوين اللجنة التأسيسية لوضع الدستور؟ وينعمون على الوطن بوثيقة عرفية أن نيتهم أن يأخذوا هذه المبادئ والشروط في اعتبارهم! يقننون لأنفسهم وعلى هواهم ما يشاءون ويتعهدون شرفا بما لا يرغبون أن يكون محددا لإطلاق يدهم دون رادع في تقرير أمر المستقبل، ويحكمهم وهم أنهم وحدهم أصحاب الولاية. وتمثل حقيقة مريرة في واقعة ميناء السخنة وإضراب العمال (6000 عامل)عن العمل لأن شركة دبي للحاويات لم تنفذ اتفاقا بينها وبين العمال وبحضور الجيش تم في شهر مايو الماضي، والسؤال من تحرك لحماية حقوق العمال هل هي الأحزاب أم الجيش؟ والإجابة أن المنشغلين بالقفز على السلطة تركوا العمال والذي قام بحسم الأمر لصالح العمال هو الجيش. فأي شعب يمثلونه؟ أم أن قضية السخنة بعيده جغرافيا عن وعيهم وعبئا على تطلعاتهم؟ أشار تقرير للكونجرس الأمريكي عن عملية الانتقال في مصر بعنوان "وجوه جديدة ومشاكل قديمة" والحقيقة "وجوه أنانية بشعة ومشاكل لا تجد فارسها". دعا المجلس العسكري 13 حزبا فقط من جملة الأحزاب القائمة، وكانت الدعوة هذه بابا للانقسام بين الأحزاب. وخرجت الأحزاب باتفاق مع المجلس لتجد أعضاءها من الشباب رافضون لما جرى الاتفاق عليه، وتوالي انسحاب الأحزاب من التوقيعات على الاقتراح بوثيقة النوايا تلك، هزل في موضع الجد. وتتجاهل الأحزاب الحالة التي وصل إليها الشعب والشباب منه خاصة، من اعتقاد أن الثورة قد سرقتها الأنانية ومجرد التطلع للسلطة، ولم يحاول أحد منهم أن يتواصل مع الشعب بحوار يبني ولا يخصم، وكل همهم أن يمارسوا الدعوة لأنفسهم متجاهلين الكم الأكبر خارجهم من الشباب والشعب، فهل ستستمر "جريمة تجفيف أوراق الورد"، وإشاعة الكآبة من حول الشباب الذي خاض معركة الثورة بين 25 يناير وحتى 11 فبراير، ولماذا يجري إذكاء روح الخصومة بين المجلس العسكري وبين الشعب؟ وسط ذلك كله تلوح إضاءات يجب أن يدركها الشباب ويعي في دلالاتها أن تغييرا بطيئا يحدث لأن الحشد جزئي ولم يصل إلى المجتمع كله، وتتمثل في واقعة ميناء السخنة التي أشرنا إليها، وفي تكليف صدر إلى هيئة قضايا الحكومة بمراجعة عقود الشركات التي جرى تخصيصها، وتتمثل في ذلك الحوار الدائر بين العمال ووزير العمل أحمد البرعي والتداخل المستمر لكمال أبو عيطة في قضايا العمال واعتصاماتهم وتحقيق أغلب المطالب العمالية، وآخر هذه الاضاءات موقف وزير الري الدكتور هشام قنديل من قضية الحراسة على نقابة المهندسين لمدة 16 عاما وانضمامه لمطالب المهندسين وتشكيلة للجنة لاستلام وإدارة النقابة، هذه الاضاءات تقول إن الأمور تتحرك جزئيا وببطء، وهو ما يعني أن حركة الثورة تتم الآن بقاعدة كل في مكانه، وهو في حد ذاته جديد من بعد الثورة، ولا يستطيع أحد أن يقدر ماذا إن تصاعد؟ لا أعتقد أن عاقلا يرى أن نقد حالة الأحزاب ومطالبها وحركتها هو تحريض عليها، ولكنه بالأساس دعوة لها لأن تستعيد الرشد وتستعيد علاقة صحيحة مع الشعب وقضاياه، ولن أقول أليس فيكم رجل رشيد، ولكنني أقول أفلا تعقلون؟!