17 سبتمبر 2025
تسجيلتبين لي منذ حطت قدمي أرض مطار قرطاج في العاصمة خلال فصل الصيف حجم العمل المطلوب لتطوير الاقتصاد التونسي. من جملة الأمور السلبية، لاحظت مستوى تذمر الزوار وجلهم من دول الاتحاد الأوروبي وخصوصا فرنسا وإيطاليا من طول فترة الانتظار بغية الوصول لشباك ختم الجوازات. وتكرر المشهد نفسه لكن بنسبة أقل عند مغادرة البلاد، ويعود لأسباب بيروقراطية تشمل عدم وجود مسارات خاصة للمواطنين أو تصنيفات أخرى فضلا عن محدودية عدد العاملين. كل هذا في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد التونسي من أزمة بطالة. كما لا يمكن إنكار حقيقة المستوى المتدني للخدمات المتوفرة في المطار، حيث يلاحظ عدد محدود جدا من المقاهي في منطقة المغادرة على الرغم من إمكانية استقطاب المقاهي لهذه المنشأة الحيوية كما هي الحال في كثير من المطارات العالمية. وعرفت بأن سبب رداءة الخدمات في المطار يعود بشكل جزئي لسيطرة جهة مقربة من السلطة السابقة على هذا المرفق الحيوي دونما نظر لمصلحة البلاد والعباد. بطالة مرتفعةوالأهم من كل ذلك، يعاني الاقتصاد التونسي من بطالة مرتفعة نسبيا تبلغ 14 في المائة على أقل تقدير. طبعا يضاف لذلك البطالة المقنعة حيث يعمل عدد غير قليل من أصحاب الكفاءات في وظائف تقل عن مستوياتهم العلمية. بيد أنه توفر الإحصاءات الديمغرافية نوع من الاطمئنان، إذ يشكل السكان دون سن الخامسة عشرة نحو 23 في المائة من المجموع. في المقابل، يشكل السكان من الفئة نفسها نحو ثلث السكان في مصر ودول مجلس التعاون الخليجي. ويبدو بأن الأمر يعود لسياسات التخطيط الأسري والتركيز على التعليم وهي من الصفات التي اشتهر بها نظام الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة. ومن شأن هكذا إحصاءات الحد من دخول أعداد كبيرة من المواطنين إلى سوق العمل بحثا عن وظائف جديدة وبالتالي عدم التسبب في ارتفاع معدلات البطالة. لكن لا يستبعد أن تكون البطالة الفعلية أعلى من المشار إليها بالنظر لاستعداد البعض للعلم في وظائف أقل من مستوى تحصيلهم العلمي لكن المطلوب منهم توفير لقمة العيش لأنفسهم وأحبتهم. استقطاب الاستثماراتكما يواجه الاقتصاد التونسي صعوبات في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بدليل تراجع قيمتها من 2.8 مليار دولار في 2008 إلى 1.7 مليار دولار في 2009 و 1.5 مليار دولار في 2010. هذا ما تجلى في تقرير الاستثمار العالمي للعام 2011 الصادر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد). تعتبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي تتميز بأنها طويلة المدى دليلا ناجحا على مدى قناعة المستثمرين الدوليين بأهمية الاستثمار في مختلف الدول وذلك بالنظر للآفاق المستقبلية لتلك الاقتصاديات. لغرض المقارنة، فاقت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية حاجز 28 مليار دولار في السنة نفسها. الشيء المؤكد هو أن هناك تقديرا عالميا لأهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة وقدرتها للمساهمة في حل التحديات الاقتصادية المحلية مثل تطوير البنية التحتية وتعزيز المنافسة في السوق المحلية وإيجاد وظائف جديدة للمواطنين. لا شك المطلوب من تونس منافسة نحو 200 دولة بغية استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة حيث لدى البعض الاستعداد لمنح امتيازات خاصة تشمل إعفاءات ضريبية. مؤكدا، ليس من الأمر اليسير استقطاب الاستثمارات العالمية فضلا عن المحافظة عليها في عالم سريع التغيير. أزمة اليورووربما جاءت أزمة منطقة اليورو في التوقيت غير المناسب حيث تعد الأسواق الأوربية القريبة نسبيا الوجهات الرئيسية للصادرات التونسية. وربما هذا يفسر تراجع مستويات النمو من 5 في المائة قبل عدة سنوات إلى ما دون 3.5 في المائة في الوقت الحاضر بالنظر لتطورات غير إيجابية في اقتصاديات الدول المستقبلة للواردات التونسية وذلك على خلفية أزمة منطقة اليورو من قبيل مديونية اليونان. وليس من المستبعد أن يكون مستوى النمو الاقتصادي للعام 2011 متواضعا نسبيا نظرا لتجمع الأسباب السلبية بما في ذلك عدم التوصل لحلول سياسية للتحديات التي تعيشها تونس فضلا عن المعضلات المالية في دول الاتحاد الأوربي، الشريك التجاري الرئيسي لتونس. طبعا يضاف لذلك أزمة رفق سقف المديونية للولايات المتحدة وتأثير الأمر على سعر الدولار ومعدلات الفائدة. بمعنى آخر، ظروف الاقتصاد العالمي غير مؤاتية لتونس في هذه الفترة الحساسة أصلا بعد تغيير النظام حيث الحاجة الماسة لتحسين التحديات الاقتصادية. نظرة تفاؤليةالمطلوب من الحكومة الجديدة تخصيص أموال لتطوير البنية التحتية بما في ذلك تحسين بعض المرافق الحيوية مثل المطار وشبكة الطرق. يشار إلى أن تونس على موعد لانتخاب مجلس تأسيسي في شهر أكتوبر لهدف تحقيق أمور تشمل كتابة دستور جديد للبلاد ومن ثم الدعوة لانتخابات رئاسية ونيابية. وفي كل الأحوال، يتمتع الاقتصاد التونسي بمزايا من قبيل المستوى العلمي المتقدم لشعبها بدليل القدرة على التحدث بلغات عالمية خصوصا الفرنسية فضلا عن العربية. كما يتميز الشعب التونسي بانفتاحه على مختلف الثقافات لأسباب تشمل قرب البلاد من بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. يبلغ عدد التونسيين قرابة 11 مليون نسمة بينهم نحو مليون مواطن يعيشون في الخارج وخصوصا في دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وإيطاليا. تاريخيا، تعرضت تونس لمنافسة من قبل فرنسا وإيطاليا قبل أن يستقر المقام للأول الأمر الذي يفسر انتشار اللغة الفرنسية في البلاد. قرار البعض للعيش في الخارج يعود لأسباب تشمل البحث عن فرص عمل مناسبة وبالتالي توفير سبل العيش الكريم لهم ولأحبتهم. لا شك يتطلب استقطاب الكفاءات التونسية المنتشرة في الخارج توفير بدائل محلية لهم قادرة على تحقيق مآربهم.