15 سبتمبر 2025

تسجيل

سد النهضة الإثيوبي بين الجذور التاريخية.. والواقع الحالي (2-3)

04 أغسطس 2020

هناك شبه إجماع لدى العلماء على أنه من الصعب تحديد عمر نهر النيل بدقة، نظرًا لطوله وتعدد روافده وتشعبها، فالنيل الأبيض ينبع من رواندا، بينما ينبع النيل الأزرق من مرتفعات الهضبة الإثيوبية، ويتحد النهران معًا عند العاصمة السودانية الخرطوم ليشكلا نهر النيل. وقد حاول فريق علمي متعدد الجنسيات من الباحثين والجيولوجيين الإجابة عن هذا السؤال، وبعد سنوات من العمل تم نشر نتيجة هذه الأبحاث في مجلة (نيتشرجيوساينس/ Nature Geoscience) العلمية البريطانية، وحسب الفريق العلمي فإن منبع النيل الأزرق من بحيرة تانا في مرتفعات الهضبة الإثيوبية ثابت منذ نحو (30) مليون سنة، وليس منذ (6) ملايين سنة، كما كانت تقديرات العلماء السابقة، وذلك من خلال التحليل الجيولوجي للرواسب الموجودة في منطقة النيل الأزرق، إلا أن بداية تراكم هذه الرواسب تعود لما قبل (30) مليون عام. ونهر النيل هو أطول أنهار الكرة الأرضية، ويقع في قارة أفريقيا، ويبلغ طوله (6670) كم2، وينساب إلى جهة الشمال، وله رافدان رئيسيان (النيل الأبيض، والنيل الأزرق)، وحيث يغطي حوض النيل مساحة (304) ملايين كم2، ويمر مساره بإحدى عشرة دولة أفريقية، يطلق عليها (دول حوض النيل)، وهذه الدول هي: (أوغندا – وإثيوبيا – وبوروندي – وتنزانيا – والكونغو الديمقراطية – ورواندا – وكينيا – وجنوب السودان – ومصر – وإريتريا بصفة مراقب). وأنه نتيجة للإمكانات الهائلة التي يوفرها نهر النيل فقد كان مطمعًا للقوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر، فقد تحكّمت الدول الأوروبية في دول حوض النيل في تلك الفترة، فبينما كانت بريطانيا تحكم قبضتها على مصر والسودان وأوغندا وكينيا، فقد أحكمت ألمانيا قبضتها على تنزانيا ورواندا وبوروندي، في نفس الوقت قامت بلجيكا بالسيطرة على الكونغو الديمقراطية والتي كانت تُعرف في ذلك الوقت باسم (زائير)، وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) أوزارها فقد قُسّمت الإمبراطورية الألمانية بين كل من بريطانيا وبلجيكا، فحصلت إنجلترا على تنزانيا، بينما حصلت بلجيكا على رواندا وبوروندي، فيما بقيت إثيوبيا دولة مستقلة. ومع إنهاء السيطرة البريطانية على مصر والسودان في الخمسينات من القرن العشرين فقد تمَّ توقيع اتفاقية نهر النيل عام 1959م لتقسيم مياه النيل، وترفض أغلبية دول حوض النيل هذا التقسيم، ويعتبرونه جائرًا من أيام التوسع الاستعماري؛ وخلال هذه الفترة تم عقد مبادرات واتفاقيات حوض النيل، وذلك في محاولات للوصول إلى صيغة مشتركة للتعاون بين دول حوض النيل، بدءًا من عام 1993-1995-1997-1998. وفي فبراير عام 1999م - وهي أهمها- تمَّ التوقيع على الاتفاقية بالأحرف الأولى في تنزانيا من جانب ممثلي هذه الدول، وتمَّ تفعيلها لاحقًا في مايو من نفس العام، وسُميت رسميًا باسم (مبادرة حوض النيل)، وهذه المبادرة التي تهدف إلى التركيز على عدة رؤى وأهداف وهي كالتالي: الوصول إلى تنمية مستدامة في المجال السوسيواجتماعي من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانات المشتركة التي يوفرها حوض نهر النيل. وكذلك تنمية المصادر المائية لنهر النيل بصورة مستدامة لضمان الأمن والسلام لجميع شعوب دول الحوض. وكذلك العمل على فاعلية نظم إدارة المياه بين دول حوض النيل والاستخدام الأمثل للموارد المائية. وكذلك العمل على آليات التعاون المشترك بين دول ضفتي النهر، وكذلك العمل المشترك على استئصال الفقر والتنمية الاقتصادية بين دول الحوض. وكذلك أيضًا التأكد من فاعلية نتائج برنامج التعاون بين الدول وانتقالها من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ، وبحيث تشمل هذه المجالات (المياه – وتنوع الأحياء المائية – واستئصال الفقر والغابات – والجفاف – إطارات التنمية المستدامة والطاقة من أجل التنمية المستدامة – والزراعة – وحفظ وإدارة الموارد الطبيعية – والتنمية المستدامة في القارة الأفريقية – وتغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج الغير صحية – والتنمية المستدامة في ظل العولمة...). أمَّا الواقع الحالي فإن إثيوبيا قد شرعت في عام 2011 في بناء السد على النيل الأزرق بالقُرب من الحدود السودانية الإثيوبية بتكلفة تقدر بنحو 4,6 مليار دولار، ومن المتوقع أن يكون السد عند اكتمال عمليات الإنشاء أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية بطاقة توليد تصل إلى ستة آلاف ميغاوات، وحيث ينظر الكثير من الإثيوبيين إلى السد الذي زاد طوله عن الميل وبإمكانه توليد 7 جيجاوات من الطاقة الكهربائية على أنه رمز ملموس لتعافي بلادهم من الذُّل الذي عانت منه إبان مجاعات الثمانينيات والتسعينيات. ومن جانب آخر قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن أكثر من (50) مليون إثيوبي لا يحصلون على مياه نظيفة وبدون كهرباء، مضيفًا أن سد النهضة يهدف إلى عز إثيوبيا، وأضاف في تغريدات على حساب مكتب الوزراء الرسمي بتويتر أن إثيوبيا ليس لها تاريخ في إلحاق الأذى بالآخرين، ولا تهتم الآن بإيذاء الآخرين، نحتاج فقط إلى التطوير والازدهار وإخراج شعبنا من قبضة الفقر. وتابع آبي أحمد قوله: إن أكثر من (50) مليون إثيوبي لا يحصلون على المياه النظيفة، أي ما يقرب من سكان دولة واحدة أكثر من (50) مليون بدون كهرباء، ومضى يقول حتى يومنا هذا لا تزال الأمهات الإثيوبيات يحملن الحطب، وإن تلبية الحقوق والاحتياجات الأساسية أمر بالغ الأهمية، مؤكدًا في الوقت ذاته استعداد بلاده للتعاون مع مصر والسودان للوصول لاتفاق نهائي يُراعي مصالح الدول الثلاث، ويدعم التعاون بين شعوب المنطقة. وحيث قال وزير الخارجية الإثيوبي (غيدو أندار غاشيو) في رسالة بعثها إلى مجلس الأمن الدولي إن بلاده لا ترى أي سبب لتأجيل ملء خزان سد النهضة المثير للجدل، وذلك بالرغم من تحذيرات مصر من أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة، وأن إثيوبيا ستمضي قدما في خطتها الرامية لبدء ملء بحيرة السد في يوليو، ولكن مصر اعترضت على ذلك خشية تراجع حصتها من مياه النيل على ضوء ضخامة المياه اللازمة لتعبئة البحيرة الاصطناعية التي تصل مساحتها إلى (254) كيلومترا مربعًا، وتتسع إلى أكثر من (74) مليار متر مكعب. وللمقال بقية الأسبوع القادم. [email protected]