27 أكتوبر 2025

تسجيل

العطار

04 أغسطس 2014

افتتن الصبي بولد الحُور القادم من بعيد في ذلك الوفد العزائي، افتتانا أنساه غرابة القصدير وحموضة اللهاث، وأحزان موت والده المفاجئ. أحب لهجته ولسانه ومزيلات العرق والعطور التي كان يخترعها من خلط سيقان النباتات وبذورها ببعضها، ويتاجر بها في دكان صغير افتتحه في موطنه في قرية (أم حراب) التي كانت أهم مراكز قبيلته (التنجر)، وعلى مدى أسبوع، اطلع (آدم نظر) على نماذج خشنة ووارفة من تلك التجارة كان (الحُوري) يحفظها في قنان ملونة و يرتبها في حقيبة من سعف الدوم. - انظر .. هذه لإنعاش الساقين بعد الجري. هذه لعرق العنق .. هذه لإيقاظ اللهفة أمام الأحبة.. هل تعلم أن لكل جسد عرقه الخاص وعطره الخاص أيضاً ؟ .. جدي علمني ذلك.-وما هو عطري أنا ؟ .. سأله الصبي ..اقترب الحُوري من جلد (آدم نظر) الذي كان بعضه عرقانا وشاحباً في مواجهة الشمس في واحد من آخر أيام الصيف في (أنسابة). في البداية شمه باستعجال، ثم أعاد الكرة لاصقا أنفه في العرق وحين رفع وجهه في النهاية كان مبتهجا:- عطرك مزيج من سيقان (المنوليا) و (الجاجندار) وقليل من حبات (القرفة) بعد سحقها جيّداً ..إنه عطر السطوة وسأخترعه لك. لم يفهم الصبي حرفاً واحداً من لغة ولد الحُور المعطرة، لكنه اصطحبه في جولة موسعة في سوق العطارين القديم في (جوا جوا)، حيث نبش واستنشق واستفسر وعاد في النهاية (بالمنوليا) و(الجاجندار)، وحبات القرفة المسحوقة، ليمكث ساعات طويلة، ويخترع عطر السطوة الذي لم يبهر (آدم نظر) فقط ، لكنه أدار رؤوس عذراوات كثيرات تعمد الصبي أن يتسكع بالقرب من أنوف شمهن. ذلك اليوم بالذات ضاعف ولد الحُور من ارتقائه لقلب الصبي، كان سلّمه في هذه المرة عطراً عدّ فاخراً في جسد لم يتذوق العطور أبداً من قبل .. ازداد به التصاقا، وازداد ثقة، وكان ينظر إليه نظرة تلميذ باهت إلى معلم قدير: - هل يمكن أن أتعلم صناعة العطور ؟ - صعب .. صعب .. - ولا حتى مزيلات العرق ؟  صعب .. صعب .. لابد من ثقافة .. لابد من صبر .. ولابد من عاهة تصيرك جبارا. يسكت الصبي ..لم تكن فكرة صناعة العطور إلا فكرة طارئة .. ولكن طموحه أكبر وأكبر .. الجليل الذي ترجل عن الفرس، من يصنع عطوره ؟ لا يفارقه الجليل..لا تفارقه الأحلام الكبيرة.