16 سبتمبر 2025
تسجيلمازلنا في رحاب سورة الحجرات ونصل إلى قوله تعالى: (فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم) (8). (فضلا من الله ونعمة) أي وإنعاما تعليل لحبب أو كره وما بينهما اعتراض، أي جرى ذلك فضلا، وقيل يبتغون فضلا (والله عليم) مبالغ في العلم فيعلم أحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل (حكيم) يفعل كل ما يفعل بموجب الحكمة. قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ الله يحب المقسطين) (9). (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) أي تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى (فأصلحوا بينهما) بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى (فإن بغت) أي تعدت (إحداهما على الأخرى) لم تتأثر بالنصيحة (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء)، أي ترجع (إلى أمر الله) إلى حكمه، أو إلى ما أمر به (فإن فاءت) إليه وأقلعت عن القتال حذارا من قتالكم (فأصلحوا بينهما بالعدل) بفصل ما بينهما على حكم الله تعالى ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما عسى أن يكون بينهما قتال في وقت آخر وتقييد الإصلاح بالعدل لأنه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة وقد أكد ذلك حيث قيل: (وأقسطوا) أي واعدلوا في كل ما تأتون وما تذرون (إن الله يحب المقسطين) فيجازيهم أحسن الجزاء، والآية نزلت في قتال حدث بين الأوس والخزرج في عهده (عليه الصلاة والسلام) بالعسف والنعال وفيها دلالة على أن الباغي لا يخرج بالبغي عن الإيمان وأنه إذا أمسك عن الحرب ترك لأنه فيء إلى أمر الله تعالى انه يجب معاونة من بغى عليه بعد تقديم النصح والسعي في المصالحة. قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (10) (إنما المؤمنون إخوة) استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالإصلاح، أي أنهم منتسبون إلى أصل واحد هو الإيمان الموجب للحياة الأبدية والفاء في قوله تعالى: (فأصلحوا بين أخويكم) للإيذان بأن الآخرة الدينية موجبة للإصلاح ووضع المظهر للمبالغة في تأكيد وجوب الإصلاح والتحضيض عليه وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بالطريق الأولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج وقرئ بين إخوتكم وإخوانكم (واتقوا الله) في كل ما تأتون وما تذرون ومن الأمور التي من جملتها ما أمرتم به من الإصلاح (لعلكم ترحمون) راجين أن ترحموا على تقواكم. • قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) (11). (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم) أي منكم (من قوم) آخرين أيضا منكم وقوله تعالى: (عسى أن يكونوا خيرا منهم) تعليل للنهي أو لموجبه، أي عسى أن يكون المسخور منهم خيرا عند الله من الساخرين والقوم مختص بالرجال لأنهم القوام على النساء وهو في الأصل إما جمع قائم كصوم وزور في جمع صائم وزائر أو مصدر نعت به فشاع في الجمع وإما تعميمه للفريقين في مثل قوم عاد وقوم فرعون فإما للتغليب أو لأنهن توابع واختيار الجمع لغلبة وقوع السخرية في المجمع والتنكير إما للتعميم أو للقصد إلى نهي بعضهم عن سخرية بعض لما أنها مما يجري بين بعض وبعض (ولا نساء) أي ولا تسخر نساء من المؤمنات (من نساء) منهن (عسى أن يكن) أي المسخور منهن (خيرا منهن) أي من الساخرات، فإن مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبا، بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب.