10 سبتمبر 2025

تسجيل

الكتابة فضيلة أم أفضلية ؟

04 يوليو 2023

في ظني أن الكتابة فعل (واعٍ ) يُمارس ويُبذل على بيّنة الإنسان بنفسه. لأنها تعبير شاهد جداً على من يكتب.. ظاهراً: من حيث اختيار اللفظ والموضوع والأسلوب والمعنى. وباطناً: من حيث إن منهج الكتابة وروحها هي انعكاس دقيق لروح صاحبها وفكره وقيمه ومنهجه في التعاطي مع نفسه ومع الحياة والناس والقلم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنهجية الكاتب الأخلاقية، ومنطلقاته التي يُصدّر منها فكره ووجدانه. فالكتابة عندي ليست مقعداً عليّاً للتنظير، ولا هالة قدسية بالفهم والتنوير ! ولا فوقية.. تتسامى فوق البشر لتعليمهم ما يصح وما لا يصح ! ولا أفضلية.. توحي للقارئ بأن من يكتب هو أوعى، أذكى، أرقى، أو أفهم منه ! ولا نفعية.. هدفها ترك أثر يُذكر فقط لمزيد من الرفعة أو علو الصيت لصاحب القلم في حياته وبعد مماته ! وإنما أجد الكتابة ببساطة (فعلٌ فاضل) الفضيلة فيه أساس لا طارف، عملٌ تعبيري تحليلي يعكس روح وفكر الكاتب ووجدانه والأهم منهجه الأخلاقي، فهو مانحٌ و مُشارك في الاستفادة مما يكتب ! وهو أولى الناس ليس فقط بتطبيق ما يدعو إليه فحسب، بل بدحض ما يتبيّن عنده أنه زيف ولو كان من أثبت قناعاته! فكل ما يكتبه الكاتب يستنير به هو أولاً، وينتفع به هو قبل قارئه، ويترك به الأثر في نفسه هو ابتداءً قبل أي أحد ! وكل تذكرةٍ، أو دعوة خيرٍ وإحسان، أو علم نافع فهو الأولى أن يبدأ بالاستفادة منه وكأن حروفه خُطت منه إليه، وأفكاره انتظمت لتُعيد لملمة شتاته، ووجدانه قد اتزن لكي يبوح بشعوره و إحساسه، ليغدو ما فاض من كل ذلك من نصيب القاريء يُشركه كرفيق رحلة، وأنيس روحٍ وفكرٍ ووجدان، لا كمعلمّ قد تشامخ مقعده، ظناً منه بأنه الأثير بالمنح والعطاء والتأثير ! *لحظة إدراك: الكتابة (فضيلة).. فعلٌ إنسانيٌ متواضع راقٍ إن وعى الكاتب والقارئ أنها فعل (حيّ) يؤثر ويتأثر، وعملية تبادلية تخلو من الطبقية والأفضلية، والجلوس على مقعدٍ عليٍّ للتنظير، والوقوف على منابر الرغبة في المنح والإصلاح وترك الأثر من جانبٍ واحد،وكأن الكاتب يكتب لآخرين ليس أحدهم ذاته التي بين جنبيه، وكأنه فقط هو المانح وآخرهما هو المتلقي !