14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); المثقفون في كل أمة من الأمم هم عقلها المفكر، ورأسها المُقدَّم، وطليعتها المدافِعة، يحملون هموم أمتهم، ويتصدون لكل خطر يهدد وجودها المادي أو المعنوي، ولذلك فلا عجب أن يجتمع ستون مثقفا أمريكا ليكتبوا خطابا مشتركا يبررون فيه للحرب الجائرة التي تشنها الولايات المتحدة على ما سمي بالإرهاب، ويبعثون من أمريكا برسالة إلى العالم كله يعلنون فيها أنهم يقاتلون دفاعا عن أنفسهم، ودفاعا عن المبادئ الإنسانية التي أرستها الحضارة الغربية.وهذا الموقف الذي يقفْهُ مثقفو أمريكا اليوم ليس بموقف فذ جديد، بل له تاريخ قديم وجذور راسخة في وجدان كل مثقف غربي؛ فمنذ ظهور المستشرقين تعانق السيف والقلم، واجتمعت الجيوش والأفكار في المجتمعات الأوربية، وقد قامت هذه الطبقة المثقفة (المستشرقون) بدورها كاملا في الدفاع عن النصرانية المتهالكة في أوربا، ومقاومة الزحف الإسلامي.وعلى جهود وأبحاث وملاحظات هؤلاء المستشرقين نهض الاستعمار وقوي سلطانه، بل كان الاستشراف –كما قال محمود محمد شاكر رحمه الله- (هو عين الاستعمار التي بها يبصر ويحدق ، ويده التي بها يحس ويبطش ، ورجله التي يمشي بها ويتوغل، وعقله الذي به يفكر ويستبين، ولولاه لظل في عمائه يتخبط)فالمثقف الغربي منذ عرف نفسه كانت له قضية يعمل لها، ويجاهد في سبيلها، ولا يسعه إلا أن يكون منحازا لها بفطرته، وقضيته هي العمل على ما يصلح أمته وينهض قومه وقيمه، هو يقوم بهذا الدور الرسالي في كل أحواله ومواقفه يقوم به وهو معارض لسياسة بلده، ويقوم به وهو مؤيد لسياسة بلده، فالذين عارضوا الحرب على العراق –مثلا- لم يكونوا كما نظن منطلقين من موقف مبدئي، ولكنهم كانوا في جملتهم ناظرين لمصلحة شعوبهم من خوض هذه الحرب.هذا هو المثقف الغربي وتلك هي وظيفته، وأما المثقف الذي ينتمي بحكم ميلاده إلى دار الإسلام فله قصة أخرى وشأن آخر.. فهو (دون أن نعمّم القول) لم يكن إلا جزءا أصيلا من أزمة الأمة، فعلى يد هؤلاء المثقفين العرب ( نصارى ومسلمين) انطمست معالم الشخصية الإسلامية المتميزة، وتمكّن الخيار الغربي الحضاري في واقعنا، ورسخت التبعية العمياء لكل وافد غريب.ثم شاء الله بعد عقود من الزمان أن يسقط الوافد الغريب، وأن تفتضح شعاراته، وأن يستبين كل ذي بصيرة أن الخيارات التي عكف عليها مثقفونا مباهين بها، أو مراهنين عليها ما هي إلا خدعة كبرى، وشعارات جوفاء، وكان حريا بهم أعني المثقفين في عالم الإسلام أن يمتلكوا-بعد هذا السقوط المدوي لمشاريع الهزيمة -الشجاعة التي تحملهم على الاعتراف بالخطأ والاعتراف بسوء التقدير، وقد فعل ثلة منهم ذلك صراحة أو ضمنا، إلا أن أكثرهم لاذوا بالصمت، ووقفوا في مربع الحياد تجاه قضايانا المصيرية كلها، سواء في البوسنة أو أفغانستان أو العراق أو فلسطين، فلم نعرف لكل من حمل شارة الثقافة من أدعياء العلمانية مواقف فاصلة تعبّر عن رفضٍ قاطعٍ لهذا العدوان السافر على أمتنا وهم الذين يتشدقون بحقوق الإنسان، وإدانة العنف، ولم نسمع لهم حديثا واضحا يعلنون فيه حق أمتهم في الاختيار والتميز والخصوصية الثقافية والمقاومة للعدوان، وهم الذين يتشدقون بقيم الديمقراطية ومبادئها.والأعجب من ذلك كله أن هذا الموقف المحايد تجاه قضايانا الكبرى تقابله جراءة على حملة المشروع الإسلامي كلما وجد هؤلاء المثقفون فرصة للإدانة أو الشماتة أو الاستهزاء، ونحن على ثقةٍ عامرةٍ أن هذه الطبقة المثقفة التي تدّعي الحياد والموضوعية سيؤول أمرها إلى أحد خيارين لا ثالث لهما، إما الولاء الكامل للأمة، وإما الفناء والأُفُول.